الرئيسية / الصحة و السكان / فيروس الإنفلونزا في شكله الأصلي بعد طول انتظار
"Influenza virus" by Sanofi Pasteur is licensed under CC BY-NC-ND 2.0
"Influenza virus" by Sanofi Pasteur is licensed under CC BY-NC-ND 2.0

فيروس الإنفلونزا في شكله الأصلي بعد طول انتظار

تقنية يمكنها المساعدة في حل لغز دور التعديلات الكيميائية الغامضة في المادة الوراثية.

في سابقة فريدة من نوعها، تم تعيين التسلسل الكامل لجينوم فيروس الإنفلونزا في شكله الأصلي على هيئة حمض نووي ريبي. ففي السابق، تم تحديد جميع جينومات فيروس الإنفلونزا – وكذلك الفيروسات الأخرى التي تخزّن مادّتها الجينية في صورة الحمض النووي الريبي – عن طريق نسخ جزيء منها في صورة حمض نووي. وتم وضع جينوم الإنفلونزا الأصلي باستخدام تقنية تعيين تسلسل الحمض النووي بـ”الثقب النانوي”، التي تقرأ تسلسل شرائط الحمض النووي الريبي في أثناء تدفقها عبر قناة جزيئية دقيقة.

في هذا الصدد، يعلِّق جون بارنز – أخصائي علم الأحياء المجهرية، من المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية (CDC) منها في أتلانتا بولاية جورجيا، الذي قاد الجهود الموضحة في طبعةٍ أولية من بحثٍ، نُشرت1في خادم ما قبل الطباعة «بيو أركايف» bioRxiv في الثاني عشر من إبريل عام 2018 – قائلًا: “لأول مرة، نستطيع فعليًّا أن نتمعن في طبيعة الجينوم في حالته الأصلية”، وأضاف: “إن هذا يبدأ فعليًّا في تمهيد الطريق أمام إمكانات علمية عديدة”.

ويُولي بارنز وغيره من العلماء الاهتمام الأكبر لاستكشاف الجينومات الفيروسية، فضلًا عن الأشكال الأخرى من الحمض النووي الريبي في العديد من الكائنات الحية، ومنها البشر. ويرغب الباحثون في تقصي المركبات الكيميائية الغامضة التي تزين سطح جزيئات الحمض النووي الريبي، والمحتمل أن تؤثر في وظيفة هذه الجزيئات في الخلايا، التي كانت تصعب دراستها سابقًا. ويقول إيوان بيرني، المدير المشارك  لمعهد المعلوماتية الحيوية الأوروبي في هينكستون بالمملكة المتحدة: “تكمن الإثارة الحقيقية هنا في التعديلات التي تطرأ على الحمض النووي الريبي”. ويضيف بيرني قائلًا إن هذا النهج “من شأنه إحداث تحول جذري” في المجال.

ومن الناحية الكيميائية، تتشابه خصائص الحمض النووي الريبي مع خصائص نظيره الأكثر شهرة (الحمض النووي). ويعمل الحمض النووي الريبي في الكائنات الخلوية كوسيط بين الجينات والبروتينات المرمزة على الحمض النووي، ويقوم بمهام أخرى، لكنْ هناك فيروسات عدة – من بينها تلك المسؤولة عن عدوى شلل الأطفال، والإيبولا، ونزلات البرد – تخزن معلوماتها الوراثية في شكل جزئيات حمض نووي ريبي. ويقول بارنز – رئيس فريق علم جينوم مرض الإنفلونزا، التابع لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها – إنه لم يسبق لأحد تعيين تسلسل جينوم الحمض النووي الريبي لفيروس الإنفلونزا؛ لأن ذلك بدا شبه مستحيل، إذ تضمنت الطرق السابقة لتعيين تسلسل شرائط الحمض النووي الريبي الأصلي تحليل قاعدة كيميائية نيتروجينية واحدة، أو حرف واحد في كل مرة، ولم تتغير هذه التقنيات إلا قليلًا منذ ابتكارها في أواخر سبعينيات2 القرن العشرين. ولتعويض ذلك.. فإن كل عمليات “تعيين  تسلسل الحمض النووي الريبي تقريبًا تَستخدِم – بدلًا من ذلك – إنزيمًا فيروسيًّا يسمَّى إنزيم النسخ العكسي، الذي ينسخ جزيئات الحمض النووي الريبي إلى شرائط من الحمض النووي، يسهل تعيين تسلسلها.

وتقدِّم تقنية الثقوب النانوية وسيلة أكثر سهولة لتعيين التسلسل الحقيقي لجزيئات الحمض النووي الريبي؛ على سبيل المثال في الجينومات الفيروسية. وتعتمد هذه التقنية على بث تيار كهربائي عبر ثقب جزيئي نانوي، ثم قياس تقلبات التيار الظاهرة، بينما تتدفق المادة الوراثية عبر الثقب.

 

تقنية الثقب النانوي الواعدة

في شهر يناير من عام 2018، نجح باحثون من شركة رائدة في مجال تطوير هذه التقنية، وهي شركة «أوكسفورد نانوبور تكنولوجيز»  Oxford Nanopore Technologies- التي يقع مقرها في المملكة المتحدة – في تعيين تسلسل الحمض النووي الريبي مباشرة؛ باستخدام جهاز صغير يدعى «مينيون» MinIOn3. وفي هذه المحاولة، تم فحص نُسخ من الحمض النووي الريبي المِرسال، وهي عائلة جزيئات الحمض النووي الريبي التي تنقل المعلومات من الحمض النووي الريبي لبناء البروتينات.

استخدم فريق بارنز هذه الطريقة على جينوم فيروس الإنفلونزا “أ”، الذي يبلغ طوله 13,500 حرف تقريبًا من حروف الحمض النووي الريبي؛ ويتألف من ثمانية قطاعات. ويقول بارنز إن نهج فريقه ليس جاهزًا للاستخدام العام. فقد تطَلَّب كمية كبيرة من فيروس الإنفلونزا، واضطروا لمعالجة البيانات الخام عدة مرات؛ لعلاج الأخطاء في عملية تعيين التسلسل. إنّ تقنية ثقب النانو تتقدم بسرعة، ويأمل بارنز أنْ تصبح عملية تعيين التسلسل المباشر للفيروسات التي تختزن مادتها الوراثية في هيئة الحمض النووي الريبي إجراءً روتينيًّا مع التحسنات التي تشهدها التقنية.

ويأتي ابتكار طرق لتحديد التعديلات الكيميائية التي تطرأ على الحمض النووي الريبي على رأس قائمة الأمنيات التي يحلم بها بارنز، وغيره من العلماء. وإلى الآن، تم تحديد أكثر من 100 تعديل كيميائي، لكن الباحثين ليس لديهم سوى معلومات محدودة عن دور معظمها، ويرجع ذلك – إلى حد كبير – إلى أن دراستها بشكل منهجي كانت مستحيلة. وقد تمكَّن فريق شركة «أوكسفورد نانوبور تكنولوجيز» من رصد تعديلين أو ملحقين شائعين في الحمض النووي الريبي. ويتوقع بيرني – وهو خبير يقدم استشارات مدفوعة الأجر للشركة – أن تتمكن التقنية من اكتشاف المزيد من التعديلات؛ بمجرد استخدام خوارزميات تعلُّم الآلة في فك غموض تأثيرات هذين الملحقين.

ويقول بريان كولين – عالِم الفيروسات من جامعة ديوك في دورهام بولاية كارولاينا الشمالية – إن تعيين  تسلسل القواعد المعدَّلة للحمض النووي الريبي سيكون “إنجازًا ضخمًا” في المجال. وقد اكتشف فريقه في عام 42017 أنه في أثناء إصابة الفئران بالعدوى، كان هناك ملحَق يسمَّى m6A، يبدو أنه يغيِّر درجة التعبير عن جينات الإنفلونزا؛ لتعزيز استنساخ الفيروس. ويضيف قائلًا إنّ الطرق المتاحة حاليًّا لرصد مثل هذه التعديلات تستهلك الكثير من الوقت والمال.

ويقول بيرني إنه على الرغم من أن هذه الوسائل ليست مثالية حتى الآن، إلا أنّ علماء الأحياء ما زالوا متحمسين لاحتمال تَمَكُّنهم قريبًا من تعيين تسلسل الجينومات الفيروسية بالكامل، وغيرها من جزيئات الحمض النووي الريبي في أشكالها الطبيعية. وقد صرح قائلًا: “فجأة، أصبحت لدينا التقنية المطلوبة للقيام بذلك. إنّ هذا لشيء مذهل.”

 

|| المصدر : نيتشر

شاهد أيضاً

العواصف الرملية

العواصف الرملية تسونامي  الصحراء

    خلال الأسابيع الماضية شهدت الجزيرة العربية وبعض المناطق المجاورة والمحاذية لها  موجة من …