خلال العقد الماضي شهدنا العديد من الظواهر والتغيرات المناخية التي أثرت على البيئة والحياة على سطح الأرض ، فالظواهر المناخية التي تضرب الأرض بفعل التغيرات المناخية كالفيضانات والاعاصير وموجات الجفاف أحدثت خسائر في الأرواح و المنشأت وتسببت في التأثير على البيئة وتنوعها الحيوي .
لطالما تمتعت البشرية بالعديد من الفوائد التي جلبها التطور الصناعي والتكنولوجي، ولكن مع ذلك جاءت تلك الفوائد بثمن باهض ، فقد أدى استخدام الوقود الأحفوري وزيادة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى ارتفاع في درجة حرارة الأرض تدريجيًا.
هذا التغير المناخي الذي يحدث جعل البشرية في موقف شفير الهاوية امام هذه التغيرات التي باتت تشكل تهديد وجودي للإنسان على هذا الكوكب ، فالبيانات العلمية تشير إلى أن متوسط درجة حرارة سطح الأرض ارتفع بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة، مما أسفر عن ذوبان الجليد في القطب الشمالي والجنوبي ورفع مستوى سطح البحار والمحيطات بمقدار ملمترات.
إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة، شهدت الكرة الأرضية زيادة في تكرار الظواهر الطبيعية المدمرة مثل الأعاصير والفيضانات والجفاف. وتقول الدراسات العلمية إن هناك علاقة بين تغير المناخ وزيادة تكرار تلك الظواهر، حيث يمكن أن يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتغيرات في نمط الأمطار إلى زيادة تقلبات الطقس وتكرار الكوارث الطبيعية.
علاوة على ذلك، تؤثر التغيرات المناخية على الزراعة والإنتاج الغذائي، حيث قد يؤدي الجفاف والتغيرات في نمط الأمطار إلى نقص في الموارد المائية وتدهور جودة التربة، مما يؤثر على إمكانية زراعة المحاصيل وإنتاج المواد الغذائية.
لا يمكننا تجاهل الآثار البيئية السلبية التي نتجت عن التغيرات المناخية خلال العشر سنوات الماضية. فقد شهدنا زيادة في نسبة التلوث وتدهور جودة الهواء والمياه. فمع ارتفاع درجات الحرارة ازدادت نسبة الانبعاثات الضارة وفترات انتشارها في الجو، أدى إلى تلوث الهواء وتضرر للكائنات الحية والبيئة.
بالإضافة ان تأثيرات التغير المناخي على الكائنات الحية والتنوع البيولوجي أدى الى زيادة في انتشار بعض الكائنات الحية وزيادة في خطر انقراض بعضها، وهو الأمر انعكس تأثيراته السلبية على التوازن البيئي والنظم الأيكولوجية .
ان التغيرات والظواهر المرتبطة بالتغير المناخي لها تأثيرات اجتماعية أيضا ، حيث يعانى الناس في بعض المناطق و مازالوا يعانون من نقص في المياه العذبة ونقص في الموارد الطبيعية، مما أثر على حياتهم اليومية ووضعهم أمام تحديات جديدة في مجالات الزراعة والصحة والسكن.
ان هذه التغيرات والتحولات تعكس أهمية التصدي لتغير المناخ واتخاذ التدابير والسياسات اللازمة للحد من آثارها. وقد بدأت العديد من الحكومات والمنظمات والشركات باتخاذ خطوات للمساهمة في مكافحة التغير المناخي والحد من انبعاثات الغازات الضار لكن تظل اقل من الحد المطلوب اتخاذه .
الاتفاقيات الدولية حول التغير المناخي
من الواضح أن التغير المناخي يعد تحديًا عالميًا يتطلب تعاونا دوليا شاملا لمواجهته، بما في ذلك اتخاذ خطوات للمساهمة في تحسين الكفاءة البيئية والتنمية المستدامة ، ومن الضروري تشجيع الابتكار في مجال الطاقة النظيفة واستخدام التكنولوجيا البيئية في تقليل الانبعاثات الضارة وتحسين جودة البيئة.
فالاتفاقيات المناخية الدولية تهدف إلى معالجة اثار التغير المناخي وتقليل انبعاثات غازات الدفيئة عالميًا.هذه الاتفاقيات أمر حاسم لتعزيز التعاون العالمي في مكافحة التغير المناخي فاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي (UNFCCC): وهي معاهدة بيئية دولية اعتمدت في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية (UNCED) في ريو دي جانيرو عام 1992. تعتبر الأساس للجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي وتحدد الاتفاقية الإطار العام للجهود الحكومية لمعالجة التغير المناخي، بما في ذلك اجتماعات الأطراف السنوية حيث تناقش الدول وتفاوض حول السياسات والسبل الواجب اتخاذها في مكافحة التغيرات المناخية .
ويعد بروتوكول كيوتو وهو معاهدة دولية اعتمدت في عام 1997 ودخلت حيز التنفيذ في عام 2005 احد الاتفاقيات الهامة والتي وضعت التزامات قانونية للبلدان النامية للحد من انبعاثاتها من الغازات الدفيئة. وقدم البروتوكول آليات مثل تداول الانبعاثات والتنفيذ المشترك وآلية التنمية النظيفة للمساعدة في تحقيق هذه الأهداف. على الرغم من أن بروتوكول كيوتو تم استبدالها بشكل كبير باتفاق باريس، إلا أنها لعبت دورًا حاسمًا في صياغة سياسات التغير المناخي الدولية.
وتظل اتفاقية باريس: وهو اتفاق دولي رائد اعتمد في عام 2015 بموجب UNFCCC. يهدف إلى الحفاظ على زيادة درجة حرارة العالم بشكل أدنى من 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة والسعي للحد من زيادة درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. احد اهم الاتفاقيات الدولية التي توصل لها المجتمع الدولي و على عكس بروتوكول كيوتو، يتضمن اتفاق باريس التزامات من البلدان النامية والمتقدمة. و مطلوب من كل دولة تحديد المساهمات المحددة وطنيا (NDC) وتحديثها بانتظام للحد من التغير المناخي.
وفي سياق الاتفاقيات الدولية حول التغيرات المناخية يبرز امامنا بروتوكول مونتريال: على الرغم من أن البروتوكول موجه ليس فقط نحو التغير المناخي، إلا أنه عقد دولي يهدف إلى القضاء على إنتاج واستخدام المواد التي تفني طبقة الأوزون. نجاح تنفيذ بروتوكول مونتريال أدى إلى تقليل كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث أن العديد من المواد التي ينظمها البروتوكول هي أيضاً تنتج غازات دفيئة قوية و يعتبر البروتوكول مثالًا على التعاون الدولي الناجح في معالجة التحديات البيئية.
و تشكل هذه الاتفاقيات وغيرها الأساس للعمل العالمي في مجال التغير المناخي، حيث تحدد الأهداف والأطر للدول للتعاون نحو مستقبل أكثر استدامة ومنخفض الكربون. علاوة على ذلك، تلعب المؤسسات الدولية مثل لجنة الأمم المتحدة الحكومية المعنية بالتغير المناخي (IPCC) دورًا حاسمًا في تقديم التقييمات العلمية للدول والمفاوضين حول التغيرات المناخية حول العالم .
بعض السياسات والتدابير الرئيسية التي يمكن اتخاذها لمواجهة تحديات التغير المناخي:
ان خفض انبعاثات الغازات الدفيئة عبر تبني سياسات التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وتعزيز الكفاءة الطاقية والحد من استخدام الوقود الأحفوري يمثل احد الحلول في تقليل الانبعاثات الكربونية .
بما يساهم في تعزيز الاستدامة من خلال تطبيق سياسات الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل الغابات، وتعزيز الزراعة المستدامة والتخطيط العمراني المستدام.
ان تعزيز البحث والابتكار من خلال دعم الابتكار التكنولوجي والبحث العلمي في مجال تكنولوجيا الطاقة النظيفة والتقنيات البيئية لتطوير حلول جديدة لمواجهة التحديات المناخية يمثل احد ابرز المطالب للدول النامية بما يساهم في قدرات الدول في التكيف والمرونة وايجاد الحلول الأقل كلفة وتأثيرا على البيئة وبما يعزز التعاون الدولي المشترك في مكافحة التغيرات المناخية باعتبار الاضرار على البشرية جميعا .
ان زيادة الوعي البيئي يمكن أن يكون عنصراً حاسماً في تحقيق أهداف مكافحة تغير المناخ ويساعد الناس على فهم التغيرات وزيادة الوعي بتأثير التغيرات المناخية على البيئة و والانسان وبما يساهم في مقدرة الانسان على خلق ظروف تساهم في الكتيف معها .
حليمة واصل