الرئيسية / العالم العربي / خولة مشيك، صوت الرياضيات العربي الوحيد في منتدى هايدلبرغ للرياضيات وعلوم الكمبيوتر
Msheik @ HLF23
Msheik @ HLF23

خولة مشيك، صوت الرياضيات العربي الوحيد في منتدى هايدلبرغ للرياضيات وعلوم الكمبيوتر

 

بحضور مميز ووقار متزن ولغة أنيقة، وقفت الدكتورة خولة مشيك – صوت الرياضيات العربي الوحيد في منتدى هايدلبرج العاشر – أمام أكثر من ٣٥ من العلماء الحائزين على أعلى الجوائز في الرياضيات وعلوم الكمبيوتر على مستوى العالم وأكثر من ٢٥٠ باحثًا من مختلف دول العالم، وفي حضور كبير من المختصين والإعلاميين، وقفت تعرض فكرة بحثها العلمي عن دراسة موجات تسونامي، وهو البحث الذي نال إعجاب الحاضرين واستحسانهم، وكنا قد تناولناه في مادة صحفية سابقة بإسهاب.

يمن ساينس التقت بالدكتورة خولة، وأجرت معها الحوار التالي:

أعد الحوار وأجراه | عبدالرحمن أبوطالب

 

هل يمكن أن يعرف القراء، من هي خولة مشيك؟

اسمي خولة مشيك، باحثة من لبنان. درست البكالوريوس والماجستير في لبنان، ثم انتقلتُ إلى فرنسا – التي أعيش فيها حاليا – لإكمال دراستي، وحصلت على الدكتوراه في الرياضيات في تخصص المعادلة التفاضلية الجزئية (Partial differential equation) في ميكانيكا الموائع (Fluid Mechanic) على وجه التحديد – وهي نوع من المعادلات أو العلاقات التفاضلية التي تتضمن تابعا أو توابع مجهولة لها عدة متحولات مستقلة بالإضافة إلى المشتقات الجزئية لهذه المتحولات – وأعمل منذ ثلاث سنوات على أبحاث ما بعد الدكتوراه في دراسة موجات التسونامي.

حدثينا عن البدايات، وكيف انتهى بك المطاف للتخصص في علوم الرياضيات؟

خولة مشيك
خولة مشيك

في الحقيقة، لم تكن الرياضيات خياري الأول. كنت طالبة مجتهدة في المدرسة، وأحصل على أعلى العلامات وعند دخولي الجامعة لم يكن لدي توجه أو رغبة  شديدة نحو تخصص معين، فقررت دخول كلية الطب بناء على رغبة أهلي، وهي الرغبة التقليدية السائدة لدى معظم الأسر في مجتمعنا حيال أبنائهم المتفوقين دراسيا. بدأت بدراسة الطب لكني لم أحبها، لم أجد نفسي في هذا التخصص، وأحسست أن هذا ليس مكاني. كان الفصل الدراسي الأول عام وشامل لكل التخصصات، وكان بإمكاني الانتقال للهندسة أو علوم الكمبيوتر لكني أحببت الرياضيات جدا، فقد كانت تختلف كثيرًا عما تعلمناه في المدرسة، وكنت أحصل على أعلى الدرجات فيها، فقررت الانتقال لقسم الرياضيات. كما نما لدي أيضًا شغف بالفيزياء، ولكني كنت أدرك أنه من الصعب التقدم في هذا المسار والتخصص في جامعاتنا المحلية كونها تفتقر للمعامل ومراكز الأبحاث المتخصصة في الفيزياء. ظل هذا الحلم يراودني حتى تمكنت بتوفيق من الله من تحقيقه في دراساتي العليا باختيار التخصص في ميكانيكا الموائع، وهو التخصص الذي استطعت فيه الجمع بين حبي للرياضيات وشغفي بالفيزياء.

شاهدت عرضك المميز عن بحثكم في موجات التسونامي أمام المشاركين في المنتدى، هل يمكن أن تعطينا لمحة عن هذا البحث؟

يهدف البحث إلى دراسة حركة موجات تسونامي. قمنا في بحثنا باستخدام مبدأ رياضي يعرف بنظام المعادلات وهو مبدأ يمكن تطبيقه في كثير من المجالات وليس فقط في دراسة خواص موجات تسونامي. هدفنا خلال مايقارب ثلاث سنوات من بحثنا إلى تحسين إدارة الكوارث فيما يتعلق بموجات تسونامي وأضرارها المحتملة. في النماذج المعمول بها لتحليل بيانات موجات التسونامي، يتم تطبيق مشتقات قوانين معينة في ميكانيكا الموائع وقوانين نيوتن على المياه، ولكن مشكلة هذه النماذج أنها لا تحل المشكلة، فقمنا في بحثنا بإعادة الحسابات للوصول إلى نموذج أخر منبثق من المبدأ نفسه، وذلك عن طريق استخدام عاملين فيزيائيين لم يؤخذا من قبل بعين الاعتبار في عملية الاشتقاق في النماذج المعمول بها حاليا، ألا وهما ضغط المياه وليونة الأرض تحت الموجة، وهي عوامل تبين لنا أهميتها في دراسة الموجات الطويلة القادمة من بعيد.

هل يمكنك تبسيط ما الذي يحدث بالضبط على أرض الواقع؟ 

حسنا، هناك أجهزة التقاط حساسة (مجسّات) في عمق المحيط تستطيع التقاط إشارات عن أي أنشطة جيولوجية تحدث في المحيط كالبراكين أو الزلازل في مسافات بعيدة قد يستغرق وصول صداها إلى الشاطئ عدة أيام. وعند انطلاق موجة تسونامي كبيرة، تقوم هذه المجسات بتسجيل عدة قراءات لهذه الموجة مثل السرعة والوقت والضغط والاتجاه، ثم ترسل هذه البيانات إلى مركز الرصد على الأرض لتقوم الأنظمة هناك بتمرير هذه البيانات خلال نماذج معينة تستطيع من خلالها تحليل البيانات ومعرفة اتجاه الموجة.

لنقل مثلا إنه تم رصد موجة قادمة من أحد القطبين، نستطيع من خلال هذه المجسات اللاقطة معرفة إلى أين ستتجه هذه الموجة، هل إلى أمريكا الشمالية أم الجنوبية أم ستتجه لأوروبا. وبإضافة العوامل الفيزيائية الجديدة التي خلص إليها بحثنا إلى نماذج تحليل البيانات، يمكن تحسين التنبؤ ليس فقط بوقت وصول الموجة، ولكن أيضا قياس سرعتها وارتفاعها.

ما الذي ألهمك لهذا البحث، ولماذا اخترت دراسة موجات التسونامي بالذات؟

بعد حصولي على درجة الدكتوراة عرض علي البروفيسور المشرف الخاص بي عدة مشاريع أبحاث مشتركة للعمل فيها من ضمنها مشروع بحث موجات التسونامي، فاخترته كون البحث قد يسهم في إنقاذ الأرواح أولا، ولأن البحث يعنى بالفيزياء والرياضيات ثانيا، وهما شغفي الأول كما ذكرت لك. رغم أن لدي قناعة أن الرياضيات والفيزياء كيان وعلم واحد.

ما الإسهام العملي الذي يقدّمه بحثكم على نطاق عالمي؟

يمكن أن يساعد النموذج الذي تم تطويره من خلال هذا البحث مراكز الأرصاد البحرية على مستوى العالم في تحسين رصد ومتابعة موجات التسونامي والتحسّب لها بشكل جيد. وقد بدأ مركز الأرصاد البحري الفرنسي – الذي تعاون معنا في البحث وتطوير هذا النموذج – بالفعل في تطبيقه في عمليات الرصد والتحليل التي يقوم بها، كما بدأت أيضا بعض الشركات في تطبيق هذا النموذج في عملها.

ما التحديات والصعوبات التي واجهتكم أثناء البحث ودراسة حركة الموجات؟

أكبر التحديات التي واجهتنا كانت في المعادلات الرياضية. في العادة تكون هناك صعوبة في حل معادلة رياضية معقدة واحدة فما بالك بسبع معادلات رياضية متداخلة مع بعضها. ورغم وجود متخصصين في حل هذه المعادلات، إلا أن الصعوبة الأكبر كانت في تطبيق متغيري ضغط المياه ومرونة الأرض في هذه المعادلات نظرًا لأننا أول من أدخل هذه المتغيرات. ولا زلنا نقوم بمزيد من الدراسات وتحسين المحاكاة الرقمية والبراهين الرياضية للحصول على مخرجات ونتائج أكثر دقة.

معظم الناس يرون الرياضيات علم مجرد، لكنه في بحثكم بات عنصرا أساسيا في إنقاذ حياة الناس، ما تعليقك على هذا؟

نعم، هناك جزئين في الرياضيات هما: الرياضيات “البحتة”، والرياضيات “التطبيقية”. ولم نكن لنتمكن خلال العقدين الماضيين من إنجاز أي شيء في مجال الرياضيات التطبيقية لو لم يكن هناك أناس وعلماء عملوا على الرياضيات البحتة لقرون مضت. تبقى الرياضيات البحتة مهمة وأساسية، ولا بد من الاستمرار في البحث فيها، حتى لو لم يكن لها تطبيق الآن فسيكون لها في المستقبل بالتأكيد. أما الرياضيات التطبيقية فلها دور مهم في مختلف المجالات. أغلب الأبحاث والمشاريع كالأبحاث البيولوجية والفيزيائية وغيرها يحتاجون في معظم الأحيان لباحثين في الرياضيات التطبيقية ضمن الفريق.

لماذا برأيك ليس رائجا في مجتمعنا أن نجد الكثير من الباحثين والباحثات العرب في تخصص كالرياضيات مقارنة بمجتمعات أخرى؟

هوغو دومونيل-كوبيل
هوغو دومونيل-كوبيل

أعتقد أن القضية تتعلق باختلاف الثقافات بين المجتمعات. معظم الشباب في مجتمعنا تبحث عن طرق الثراء السريع. لهذا قد يجد أحدهم من الصعوبة أن يقضي ثماني أو عشر سنوات في دراسة الرياضيات التي لا يرى منها استفادة مادية مستقبلية. قد تبدو وجهة النظر هذه منطقية، ولكن في هذه الحال عليك أن لا تتجه لمجال البحث العلمي، فهو ليس طريقا للثراء. أما في الغرب فالثقافة الاجتماعية تختلف. سأضرب لك مثالا بسيطا، بالأمس كنت أتحدث مع الدكتور الفرنسي “هوغو دومونيل-كوبيل” وهو أحد العلماء الشباب والفائز بميدالية “فيلدز” العام الماضي – إحدى أرقى الجوائز العالمية في الرياضيات – وقد تطرقنا للرواتب المنخفضة للباحثين في فرنسا لاسيما في ظل التضخم الحاصل، وسألته: هل تتوقع عزوف الشباب عن الاتجاه للبحث العلمي بالذات في الرياضيات نتيجة لهذا؟ فأجاب بأنه لايتوقع ذلك لأن الكثير من الباحثين – حسب رأيه – يحبون العلم أصلا، ولا يحتاجون سوى لسد احتياجاتهم الأساسية في الحياة والاستمرار في البحث العلمي المتواصل، لهذا فرنسا رائدة في علوم الرياضيات على مستوى العالم.

هذه أول مشاركة لك في منتدى “هايدلبرغ” للرياضيات وعلوم الكمبيوتر، صفي لنا تجربتك، وكيف انطباعك عن المنتدى؟

كانت تجربة رائعة، فهذا المنتدى يختلف عن المنتديات والمؤتمرات العلمية التي حضرتها في السابق. أكثر ما أعجبني هي الأجواء السلسة في التعامل مع العلماء الحائزين على الجوائز بحيث يمكنك الجلوس معهم على طاولة العشاء أو في الكافيتيريا أو الوقوف والحديث معهم في أي مكان بكل سهولة، وبدون تنسيق مسبق. لم يكن هناك أي تمييز أو فواصل رسمية أو تنظيمية بيننا وبين العلماء، وهو ما يعطي مزيد من الأريحية في النقاشات العلمية أو الودية بيننا كباحثين وبين هؤلاء العلماء. من جهة أخرى، لم أجد التنوع الذي توقعت في العلماء الحائزين على الجوائز، سواء العلماء من أصول أفريقية أو آسيوية. كما توقعت أيضا أن يكون هناك مشاركة أكثر من الباحثين في الرياضيات التطبيقية، ولكني لم أجد سوى بضعة باحثين وكان الأغلب من الباحثين في الرياضيات البحتة. هذا ليس بالمعيب، ولكنه غير ما توقعت.

أنت الآن تمثلين الصوت العربي الوحيد في مجال الرياضيات المشارك في المنتدى، كيف جاءت مشاركتك؟ وما النصيحة التي تقدمينها للباحثين الشباب الطموحين في وطننا العربي وفي بقية المناطق التي لديها تمثيل ناقص في مثل هذه المنتديات والفعاليات العلمية؟

نصيحتي هي النشاط والثقة. لا يحتاج الموضوع سوي مزيد من الجدية والسعي. يجب أن نمتلك الثقة بالنفس بأننا لسنا أقل من غيرنا في العالم حتى لو كانت إمكاناتنا الجامعية أقل. حين قدمت على طلب المشاركة في المنتدى، أخبرني بعض الأصدقاء أن هذا تضييع وقت؛ لأن المنافسة ستكون شديدة والمقاعد محدودة جدا، ولكني لم استسلم للاحباط وقدمت وفزت بمنحة الحضور والمشاركة. لذلك نصيحتي للباحثين الشباب في كل مناحي عملهم ومهنتهم هي المتابعة والتفاؤل والثقة بالنفس وعدم الخوف من المحاولة.

ما خططك المستقبلية فيما يتعلق بأبحاثك وعملك؟

المستقبل والتوفيق دائما من الله، ولكني أؤمن بأهمية السعي والاجتهاد. خططي المستقبلية مبدئيًّا هي الحصول على منصب أكاديمي دائم في الجامعة؛ لأني أحببت العمل في مجال البحث العلمي. ولكن إن لم يتسنَّ لي ذلك فسأتجه للعمل في القطاع الصناعي لاسيما أن الحاجة للخبراء في ميكانيكا الموائع دائما في تزايد.

خولة مشيك، شكرا لك.

العفو،،

 

شاهد أيضاً

53373094409_b37bb45917_c

مخرجات قمة المناخ ودور منظمات المجتمع المدني اليمنية والعربية في COP28

  أثمر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ بدورته الثامنة والعشرين (COP28)، والذي …