مع التقدم المتسارع لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تزايدت احتياجات الطاقة اللازمة لتدريب النماذج المتطورة، مما أثار مخاوف واسعة بشأن الانبعاثات الكربونية المرتبطة بذلك. إذ يؤدي الطلب العالمي المتصاعد على الذكاء الاصطناعي في شتى المجالات إلى تضاعف هائل في القدرة الحاسوبية، وهو ما يترتب عليه آثار بيئية خطيرة. وقد أظهرت الأبحاث أن فهم البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي وتطوير استراتيجيات للحد من تأثيره البيئي أصبحا ضرورة ملحّة.
في دراسة نُشرت بتاريخ 20 أكتوبر 2024 في مجلة Frontiers of Environmental Science & Engineering (DOI: 10.1007/s11783-024-1918-y)، قدّم باحثون من جامعتي تشجيانغ ونانكاي تقييماً شاملاً للانبعاثات الكربونية الناجمة عن أنظمة الذكاء الاصطناعي. تناولت الدراسة الانبعاثات الناتجة عن 79 نظاماً ذكياً رئيسياً ما بين عامي 2020 و2024، مشيرةً إلى ضرورة وضع معايير تنظيمية وحدود قصوى للانبعاثات. وقدرت النتائج أن هذه الأنظمة الذكية قد تنتج أكثر من 102 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، مما يبرز الحاجة الملحّة لتبني سياسات تقلل من الأثر البيئي للذكاء الاصطناعي.
وقام الفريق البحثي بتقدير الانبعاثات الكربونية لنماذج ذكاء اصطناعي بارزة، كاشفاً عن تفاوتات كبيرة في استهلاك الطاقة بينها. فعلى سبيل المثال، يُسهم نموذج Gemini Ultra من جوجل بمفرده بنسبة 36.7% من الانبعاثات، في حين ارتفعت انبعاثات نموذج GPT-4 بمقدار 12 ضعفاً مقارنةً بسابقه. وتبين أن الانبعاثات السنوية من استخدام هذه الأنظمة، التي تتضاعف 960 مرة عن تلك الناتجة عن تدريب واحد فقط، تمثل قلقاً بيئياً جسيماً. وبالنظر إلى أن سعر الكربون المتوقع قد يبلغ 109 دولارات للطن، فإن تكاليف الانبعاثات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي قد تتجاوز 10 مليارات دولار سنوياً، مما يسلط الضوء على ضرورة وضع حدود قياسية للانبعاثات، إذ باتت بصمة الذكاء الاصطناعي الكربونية تضاهي انبعاثات دول كاملة.
وتعليقاً على هذه النتائج، صرّح الدكتور مينغ زانغ من جامعة تشجيانغ، قائلاً: “إن النمو المتسارع في قدرات الذكاء الاصطناعي يقابله ارتفاع مقلق في تأثيره البيئي. تبرز هذه الدراسة الحاجة الملحة لتبني الصناعة الذكاء الاصطناعي ممارسات بيئية أكثر استدامة. هدفنا هو تزويد صانعي القرار بالبيانات الضرورية لمعالجة البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي من خلال سياسات استباقية”. وأكد الدكتور زانغ أن تحقيق التوازن بين الابتكار في الذكاء الاصطناعي والمسؤولية البيئية هو مفتاح لبناء مستقبل مستدام.
تحمل نتائج الدراسة انعكاسات هامة على السياسة البيئية وتطوير الذكاء الاصطناعي؛ إذ إن توسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي عالمياً يجعل من الضروري التحكم في الانبعاثات الكربونية للتقليل من آثارها البيئية وتحقيق أهداف المناخ. ويمكن أن تشجع حدود الانبعاثات الصناعة على تبني ممارسات كفاءة الطاقة، مما يدفع إلى الابتكار في تقنيات الذكاء الاصطناعي المستدامة. كما أن توفير بيانات واضحة حول انبعاثات الذكاء الاصطناعي يساعد صناع السياسات في وضع معايير فعّالة، لضمان أن يكون تقدم الذكاء الاصطناعي مصحوباً بتكاليف بيئية محدودة، مما يمهد الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة لهذه التكنولوجيا.