طور مهندسون من جامعة ميشيغان عملية تصنيع جديدة لبطاريات السيارات الكهربائية، ما قد يؤدي إلى زيادة مدى السيارات الكهربائية وسرعة شحنها في الطقس البارد، وهو ما يمثل حلاً لمشاكل أثرت على قرارات العديد من المشترين المحتملين.
قال البروفيسور نيل داسغوبتا، الأستاذ المشارك في الهندسة الميكانيكية وعلوم المواد والهندسة بجامعة ميشيغان، والمؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مجلة Joule:
“نرى أن هذه التقنية يمكن أن تتبناها الشركات المصنعة لبطاريات السيارات الكهربائية دون الحاجة إلى تغييرات كبيرة في خطوط الإنتاج الحالية.”
ولأول مرة، أظهرت الدراسة أنه من الممكن تحقيق شحن سريع للغاية عند درجات حرارة منخفضة دون التأثير على كثافة الطاقة في بطاريات الليثيوم-أيون.
وبحسب نتائج البحث، فإن البطاريات المصنعة بهذه الطريقة الجديدة يمكنها الشحن بمعدل أسرع بنسبة 500% عند درجة حرارة تصل إلى -10 درجات مئوية، وذلك بفضل بنية مبتكرة وطلاء خاص يمنع تكوّن طبقات الليثيوم التي تؤثر سلبًا على أداء الأقطاب الكهربائية. وقد أثبتت الاختبارات أن هذه البطاريات حافظت على 97% من سعتها حتى بعد 100 دورة شحن سريع في درجات الحرارة المنخفضة.
التحدي: بطاريات السيارات الكهربائية والطقس البارد
تعتمد بطاريات الليثيوم-أيون في السيارات الكهربائية على حركة أيونات الليثيوم بين الأقطاب الكهربائية عبر محلول إلكتروليتي سائل. لكن في الطقس البارد، تتباطأ هذه الحركة، مما يؤدي إلى انخفاض كفاءة البطارية وتقليل سرعة الشحن. ولتعويض هذا التراجع، لجأت الشركات المصنعة إلى زيادة سماكة الأقطاب الكهربائية في الخلايا، وهو ما زاد من المدى التشغيلي للسيارات الكهربائية، لكنه جعل بعض الليثيوم أقل وصولًا، مما أدى إلى بطء عملية الشحن وانخفاض الطاقة المتاحة مقارنة بوزن البطارية.
في أبحاث سابقة، ابتكر فريق داسغوبتا مسارات دقيقة بحجم 40 ميكرون في القطب السالب (الأنود)، حيث يتم استقبال أيونات الليثيوم أثناء الشحن. من خلال استخدام الليزر لحفر هذه المسارات في الجرافيت، تمكنت الأيونات من التحرك بسهولة داخل القطب، ما أدى إلى تحسين سرعة الشحن عند درجة حرارة الغرفة. لكن رغم ذلك، ظل الشحن البارد مشكلة قائمة.
الحل: طلاء زجاجي مبتكر يمنع تراكم الليثيوم
حدد الفريق أن المشكلة الأساسية كانت الطبقة الكيميائية التي تتشكل على سطح القطب عند التفاعل مع الإلكتروليت، والتي تعيق تدفق الأيونات، خاصة في الطقس البارد. شبه داسغوبتا هذه الطبقة بسلوك الزبدة:
“يمكنك إدخال السكين بسهولة عندما تكون دافئة، لكن الأمر يصبح أكثر صعوبة عندما تبرد. وعند محاولة الشحن السريع في هذه الظروف، تتراكم طبقات الليثيوم على القطب مثل ازدحام مروري، مما يمنع شحن البطارية بالكامل ويؤدي إلى فقدان الطاقة.”
للتغلب على هذه المشكلة، قام الباحثون بطلاء القطب بمادة زجاجية مصنوعة من بورات الليثيوم والكربونات بسماكة 20 نانومترًا فقط، مما منع تكون الطبقة العازلة وسرّع عملية الشحن البارد. وعند دمج هذه التقنية مع المسارات ثلاثية الأبعاد، تمكنت خلايا الاختبار من الشحن أسرع بخمس مرات مقارنة بالبطاريات التقليدية عند درجات حرارة تحت الصفر.
يقول تاي تشو، المؤلف الأول للدراسة وخريج الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة ميشيغان:
“بفضل التفاعل بين البنية ثلاثية الأبعاد والطبقة الاصطناعية، يمكن لهذا الابتكار حل التحديات الثلاثة الرئيسية: الشحن السريع، الأداء في درجات الحرارة المنخفضة، والمدى الطويل للقيادة.”
مستقبل السيارات الكهربائية: حل العقبات التقنية لزيادة الإقبال
في العقدين الأخيرين، ازداد انتشار السيارات الكهربائية كخيار بيئي مستدام، لكن نتائج استطلاع أجرته منظمة AAA كشفت عن تراجع في اهتمام المستهلكين بشراء هذه السيارات. بين عامي 2023 و2024، انخفضت نسبة البالغين الأمريكيين الذين قالوا إنهم “محتمل جدًا” أو “محتمل” أن يشتروا سيارة كهربائية من 23% إلى 18%. كما أن 63% من المشاركين في الاستطلاع قالوا إنهم “غير محتمل” أو “غير محتمل جدًا” أن تكون سيارتهم القادمة كهربائية، بسبب انخفاض المدى التشغيلي في الشتاء وبطء الشحن، وهو أمر لوحظ بشكل واسع خلال موجة البرد في يناير 2024.
يقول داسغوبتا: “يستغرق شحن بطارية السيارة الكهربائية 30 إلى 40 دقيقة حتى مع الشحن السريع، ولكن هذا الوقت يزيد إلى أكثر من ساعة في الشتاء. هذه هي المشكلة التي نريد حلها.”
الخطوات القادمة نحو الإنتاج التجاري
تلقى الفريق تمويلًا إضافيًا من مؤسسة التنمية الاقتصادية في ميشيغان (MEDC) لمواصلة تطوير هذه التقنية وجعلها قابلة للتطبيق في المصانع. تم تصنيع الأجهزة واختبارها في مختبر البطاريات بجامعة ميشيغان، وبمساعدة مركز ميشيغان لدراسة المواد.
وقد قدم الباحثون طلبًا للحصول على براءة اختراع لهذا الابتكار، كما قامت شركة Arbor Battery Innovations بترخيص التقنية وبدأت العمل على تحويلها إلى منتج تجاري. يمتلك داسغوبتا وجامعة ميشيغان مصالح مالية في الشركة، ما يشير إلى إمكانات تجارية واعدة لهذا التطور العلمي.
إذا تم تبني هذا الابتكار على نطاق واسع، فقد يكون خطوة رئيسية نحو جعل السيارات الكهربائية أكثر كفاءة وملاءمة لمختلف الظروف المناخية، مما قد يسرّع من تبنيها عالميًا.