الرئيسية / العلوم و التكنواوجيا / ويتفيلد ديفي، الرجل الذي أحدث ثورة في عالم التشفير (مقابلة خاصة) 
Whitfield Diffie @ HLF
Whitfield Diffie @ HLF

ويتفيلد ديفي، الرجل الذي أحدث ثورة في عالم التشفير (مقابلة خاصة) 

هايدلبرغ، المانيا

خاص – يمن ساينس

Read it in English

يعد ويتفيلد ديفي، عالم التشفير الأمريكي البارز والاسم المرتبط بأسس التشفير الحديث، شخصية غيرت بشكل جذري طريقة تأمين الاتصالات الرقمية، مما أحدث ثورة في التوقيعات الرقمية وتبادل المفاتيح بشكل آمن. فقد كان ديفي، الذي شارك في اختراع التشفير بالمفتاح العام أو مايعرف في اللغة الانجليزية ب  Public Key cryptography في السبعينيات، أحد أبرز المساهمين في تطوير سبل تأمين التواصل عبر الإنترنت اليوم.

التشفير هو عملية تحويل البيانات إلى صيغة غير قابلة للقراءة (رموز مشفّرة) باستخدام خوارزميات رياضية معقدة لحمايتها، مما يضمن وصول المستخدمين المصرح لهم فقط. ويلعب التشفير دوراً مهماً في حماية المعلومات الحساسة على الإنترنت، مثل المعاملات المالية والرسائل الشخصية، وذلك من خلال الحفاظ على خصوصية البيانات وأمانها.

حصل ديفي في عام ٢٠١٥ على جائزة تورينغ المرموقة من جمعية الحوسبة الآلية (ACM) بالاشتراك مع مارتن هيلمان، لاختراعهما وترويجهما للتشفير غير المتماثل باستخدام المفتاح العام. شغل ديفي أدوارًا مؤثرة في عدة مؤسسات مثل MITRE Corporation وجامعة ستانفورد وSun Microsystems حيث كان يشغل منصب كبير مسؤولي الأمن. كما شغل منصب نائب رئيس مؤسسة الإنترنت للأسماء والأرقام المخصص ICANN للأمن المعلوماتي التشفير. كما حصل على العديد من الجوائز تقديرًا لمساهماته في علم التشفير، مما جعله من الشخصيات البارزة في مجال أمن البيانات والخصوصية.

خلال منتدى هايدلبرغ الحادي عشر للفائزين بجوائز الرياضيات وعلوم الكمبيوتر الذي عقد في الفترة من ٢٢ حتى ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤، التقت يمن ساينس مع هذه الشخصية الأسطورية وأجرت معه حوارا شيقا، علق فيه ديفي على بعض الأحداث الأخيرة في لبنان كما شارك فيه أفكاره حول التشفير والخصوصية ومستقبل الأمن الرقمي في ظل التطورات التكنولوجية الحديثة مثل الحوسبة الكمومية وغيرها من الفرص والتحديات.

أجرى الحوار | عبدالرحمن أبوطالب

ABOTALEBwithDEFFIE
عبدالرحمن أبوطالب مع العالم ويتفيلد ديفي في منتدى هايدلبيرع للرياضيات وعلوم الكمبيوتر

ما الذي جذبك منذ البداية إلى مجال التشفير، خاصةً في وقت كان فيه هذا المجال غير معروف نسبياً؟

ديفي:  ما جذبني هو إيماني بأن المحادثة الخاصة ضرورية لوجود مجتمع حر. كنت أفكر في هذا منذ ستينيات القرن الماضي، وكان التشفير هو التقنية الوحيدة التي يمكنها حماية الأفراد في مثل هذه الظروف.

هل كانت هناك قيود حكومية على الأبحاث في مجال التشفير خلال السبعينيات؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف تعاملت مع هذه البيئة؟

ديفي:  في الواقع، لم تكن هناك قيود كبيرة في الولايات المتحدة على البحث في مجال التشفير. كانت القيود الرئيسية آنذاك مرتبطة بالأسلحة النووية، أما بالنسبة لنقل وتصدير معدات التشفير إلى خارج البلاد، فقد تم تقييدها لاحقا. لكن فيما يتعلق بنشر الأبحاث، فقد كانت محمية بقوانين حرية التعبير، لذا لم تكن الحكومة تشكل عائقًا كبيرًا في أبحاثي.

عندما شاركت في اختراع التشفير بالمفتاح العام، هل توقعت دوره الحاسم في تأمين الإنترنت؟

ديفي:  ليس تمامًا. في ذلك الوقت، كنت أفكر أكثر في تأمين المكالمات الهاتفية، ولم أكن أفكر في الإنترنت كما نعرفه الآن. كان الإنترنت لايزال في بداياته، وكنت أركز أكثر على تأمين الاتصالات بشكل عام. ومن المثير للاهتمام أن زوجتي الراحلة قالت في مقابلة خلال مؤتمر RSA إنني أخبرتها في عام ١٩٧٣ أن الناس سيتواصلون بحميمية مع أشخاص لم يلتقوا بهم وجهًا لوجه قبل نهاية القرن، وكان هذا هو السياق الذي كنت أحاول تأمينه.

إذا أردت تبسيط مفهوم التشفير بالمفتاح العام لطفل يبلغ من العمر ١٢ عامًا يستخدم الإنترنت، كيف يمكنك شرح الفكرة له بطريقة مبسطة؟

ديفي:  يعتمد الأمر على الطفل، لكنني أعتقد أن العديد من الأطفال يمكنهم فهم الفكرة. عادةً ما أصفها بأنها عملية تفاوض علني، حيث يتحدث الطرفان أمام الآخرين ومع ذلك يتوصلان في النهاية إلى اتفاق سري لا يعرفه الآخرون.

هل تعتقد أن التشفير لا يزال فعالاً في تلبية احتياجات أمن الإنترنت اليوم؟

ديفي:  نعم، التشفير الآمن لا يزال لا غنى عنه لأمن الإنترنت، وهو الجزء الأكثر نضوجًا في مشهد الأمن الرقمي، على الرغم من أن التنفيذ والبرمجة لا يزالان متأخرين.

كيف ترى مستقبل التشفير والخصوصية في ضوء التقدم في الذكاء الاصطناعي وإمكانية الحوسبة الكمومية؟ هل هناك اتجاهات أو تقنيات جديدة تثير قلقك أو انتباهك؟

ديفي:  مستقبل التشفير يهيمن عليه القلق بشأن الحوسبة الكمومية، وفي الولايات المتحدة لدينا معايير جديدة للتعامل مع هذا التحدي. ومع ذلك، لا تزال المشكلات التي واجهتها في التشفير قبل ٥٠ عامًا قائمة حيث لا توجد نظرية رياضية كافية لتعقيد الحسابات، مما يعني أنه لا توجد طريقة مؤكدة لتحديد ما إذا كانت أنظمة التشفير آمنة حقًا.

في اعتقادك، ما هو المفهوم الخاطئ الشائع لدى الناس حول التشفير وأمن البيانات؟

ديفي:  أكبر مفهوم خاطئ لدى الناس هو أن التشفير سيحميك من المراقبة الجماعية.

في كتابك “الخصوصية على المحك”، ناقشت التوازن بين الخصوصية والأمن. كيف تطورت وجهة نظرك حول هذا التوازن مع زيادة المراقبة الجماعية خلال الـ ٢٥ عامًا الماضية منذ نشر الكتاب؟

ديفي:  ما زلت مقتنعًا بأن المجتمع الحر يحتاج إلى القدرة على إجراء محادثات لا تستطيع الحكومة التنصت عليها.

كيف يمكن للأفراد حماية أنفسهم من المراقبة الجماعية مع الاستمرار في المشاركة الفعالة في العالم الرقمي؟ 

ديفي:  الواقع أن الشركات العملاقة مثل جوجل وفيسبوك وغيرها تطلب المعلومات، ويقوم الناس بتقديمها طواعية. هذه هي الآلية الرئيسية للمراقبة اليوم، وليس الحكومات التي تتجسس على المحادثات المشفرة.

في رأيك، هل تقوم هذه الشركات بما يكفي لحماية البيانات الشخصية، أم أنها تضحي بالخصوصية من أجل أعمالها؟

ديفي: لا استطيع أن أجزم، لكني أفترض أنها تضحي بالخصوصية من أجل نماذج أعمالها. من الواضح أن هذه الشركات قد بنت اقتصادًا يعتمد على معلومات المستخدمين، وأساسه هو الإعلانات.

هل ينبغي إذن فرض مزيد من اللوائح على الشركات التقنية فيما يتعلق بالخصوصية والتشفير؟

ديفي:  لست مقتنعًا بذلك. فاللوائح الأوروبية المتعلقة بالخصوصية مثلا لا تبدو لي أنها تحل المشكلة الأساسية. الإنترنت المدفوع بالإعلانات هو في جوهره نظام معيب، وما نحتاجه حقًا هو نظام للمدفوعات المجهولة حتى يتمكن الناس من الدفع مقابل الخدمات عبر الإنترنت دون الكشف عن هويتهم.

هل تعتقد أن “المراقبة الأخلاقية” ممكنة؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف سيكون شكل مثل هذا النظام؟

ديفي:  المراقبة تكون أخلاقية إذا كان الأشخاص الذين يتم مراقبتهم يعلمون ولا يمانعون ذلك. لكنني لست متأكدًا مما يعنيه هذا المصطلح بخلاف ذلك.

ما هي المسؤوليات الأخلاقية الملقاة على عاتق علماء التشفير، لاسيما عندما يُستخدم عملهم في السياقات المدنية والعسكرية؟

ديفي:  أعتقد أن المسؤولية الأخلاقية لعلماء التشفير هي تصميم أفضل أنظمة التشفير الممكنة، بغض النظر عن هوية عملائهم.

مع تزايد تطبيق قوانين سيادة البيانات وسياسات توطين البيانات، هل ترى أن هذه اللوائح هي أدوات فعالة لتعزيز الخصوصية أم أنها تعيق الإبتكار؟

ديفي:  لا أعلم. إنها مسألة معقدة.

غالبًا ما تقول الحكومات إن الوصول إلى الاتصالات المشفرة ضروري لمحاربة الإرهاب والجريمة السيبرانية واستغلال الأطفال. كيف ترد على هذه الحجج؟ وهل تعتقد أن التشفير القوي يمكن أن يتعايش مع مصالح الأمن القومي؟

ديفي:  نعم، أعتقد أن التشفير القوي يمكن أن يتعايش مع المصالح الأمنية الوطنية. العديد من الاقتراحات التي تحد من التشفير تنتهك المبادئ الأساسية للحرية، وغالبًا لا تعمل بفعالية.

أظهرت تحقيقات استقصائية أن هناك أنظمة الاستبدادية في العديد من البلدان تشتري تقنيات المراقبة الجماعية من شركات غربية. كيف ترى بيع هذه التكنولوجيا من دول تتبنى الديمقراطيات إلى حكومات لديها سجلات في انتهاك حقوق الإنسان؟

ديفي:  ما يقلقني أكثر هو أن هذه المبيعات قد تساهم في تطوير تقنيات يمكن استخدامها لاحقًا ضد المواطنين في الدول الديمقراطية الغربية.

شهدت لبنان مؤخرا حوادث منسقة حيث انفجرت أجهزة الاتصالات مما أدى إلى وفيات. هل تعتقد أن هذا قد يشير إلى ظهور شكل جديد من الحروب الإلكترونية؟

ديفي:  من الصعب أن نرى تكرار هذه الحيلة في القريب العاجل. قد يبدو سلاحًا ذكيًا إذا كنت يائسا، لكنني أشعر بالحيرة من الأمر برمته، واتسائل كيف مرت هذه الأجهزة على أنظمة الكشف في المطار! يبدو لي أنه كان إهدارًا لاستراتيجية مبتكرة، وأعتقد أن الناس سيصبحون أكثر حذرًا بشأن مصادر أجهزتهم في المستقبل.

خلال فترة عملك في منظمة الأيكان ICANN المعنية بإدارة الإنترنت كنائب الرئيس للأمن المعلوماتي والتشفير، كيف أثرت خبراتك على استراتيجيات تأمين الإنترنت في المنظمة؟

ديفي:  في الحقيقة، كان دوري في ICANN محدودًا للغاية. كنت هناك لدعم المدير التنفيذي، رود بيكستروم، في القضايا الأمنية. على الرغم من أنني شهدت تطوير أنظمة أمان أسماء النطاقات، إلا أنني لم أقم بدور كبير في تصميمها.

ما النصيحة التي تقدمها إلى الشباب الطموحين في مجال التشفير وعلوم الحاسوب الذين يرغبون في تعزيز الأمن الرقمي والخصوصية؟

ديفي:  عادةً ما أخبر الشباب بأن الأمن الرقمي جزء صغير من العالم، وأن عليهم التفكير في العمل على مجالات مثل التكنولوجيا الحيوية وغيرها من المجالات التي أعتقد أنها ستغير العالم بشكل أكبر.

أخيرا، ماهو انطباعك عن منتدى هايدلبرغ للفائزين (HLF)؟

ديفي:  الهدف الأساسي للمنتدى هو ربط العلماء الأكبر سنًا بالجيل الجديد من الباحثين وأرى أن هذا الأمر ينجح بشكل كبير. نحضى جميعنا هنا بفرصة ثمينة للالتقاء بأقراننا والاستمتاع بوقتنا، لذا فإننا نقدر حسن الضيافة والطريقة الرائعة التي نعامل بها هنا.

شاهد أيضاً

54020136421_e2cc6dc9e3_o

استكشاف دور الذكاء الاصطناعي في التعليم، رؤى من منتدى هايدلبرغ

هايدلبرع – يمن ساينس خاص – عبدالرحمن أبوطالب ٢٤ سبتمبر ٢٠٢٤   في مناقشة مثيرة بعنوان …