في تقرير دولي جديد، حذر العلماء من أن تغير المناخ الذي سببه الإنسان جعل حرائق الغابات في مناطق من أمريكا الجنوبية وجنوب كاليفورنيا أكثر تواتراً وضراوة بشكل غير مسبوق، حيث باتت المساحات المحترقة أكبر بنحو 30 مرة مما كانت ستكون عليه في عالم بلا احترار عالمي.
ويشير التقرير السنوي الثاني عن حالة حرائق الغابات لعام 2024-2025، الذي شارك في إعداده مركز المملكة المتحدة لعلم البيئة والهيدرولوجيا (UKCEH) إلى جانب هيئة الأرصاد البريطانية وجامعة إيست أنجليا والمركز الأوروبي للتنبؤات الجوية متوسطة المدى (ECMWF)، إلى أن العام الماضي شهد حرائق غير مسبوقة في منطقة بانتانال-تشيكيتانو بأمريكا الجنوبية، إضافة إلى حرائق مدمرة في أمازونيا والكونغو وكاليفورنيا.
أرقام قياسية للخسائر والانبعاثات
وفقاً للتقرير، التهمت الحرائق في موسم 2024-2025 مساحة تبلغ 3.7 ملايين كيلومتر مربع – أي أكبر من مساحة الهند – وأدت إلى تعريض 100 مليون شخص وممتلكات بقيمة 215 مليار دولار أمريكي للخطر. كما أطلقت الحرائق أكثر من ثمانية مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون، بزيادة قدرها 10٪ عن المتوسط منذ عام 2003.
وفي لوس أنجلوس، تسببت حرائق يناير 2025 في مصرع 30 شخصاً وإجلاء 150 ألفاً وتدمير 11,500 منزل، بخسائر اقتصادية بلغت 140 مليار دولار. أما كندا فسجلت أكثر من مليار طن من انبعاثات الكربون للسنة الثانية على التوالي، بينما بلغت انبعاثات بوليفيا أعلى مستوياتها هذا القرن (700 مليون طن).
وفي بانتانال، أكبر الأراضي الرطبة في العالم، كانت الحرائق أكبر بثلاث مرات من المعتاد، فيما تجاوزت تركيزات الجسيمات الدقيقة PM2.5 المعايير التي حددتها منظمة الصحة العالمية بـ60 ضعفاً، ما أدى إلى خسائر تجاوزت 200 مليون دولار في قطاع الزراعة.
المناخ والوقود الطبيعي: وصفة مثالية للكوارث
أوضحت الدكتورة فرانشيسكا دي جوزيبي من ECMWF أن تغير المناخ لا يقتصر على خلق طقس حار وجاف فحسب، بل يؤثر أيضاً على نمو الغطاء النباتي الذي يوفر الوقود للحرائق. وأضافت أن الأمطار الغزيرة التي سبقت حرائق كاليفورنيا بـ30 شهراً أدت إلى نمو كثيف للنباتات، ما وفر وقوداً وفيراً للحرائق عند حلول موجات الحر والجفاف.
أما في غابات الأمازون والكونغو، فقد ساهم الجفاف غير المعتاد في جعل الغطاء النباتي أكثر قابلية للاشتعال، مما سمح للنيران بالانتشار بسرعة هائلة.
المستقبل: تكرار الكوارث ما لم تُخفض الانبعاثات
يحذر التقرير من أن المواسم الشديدة مثل موسم 2024-2025 قد تصبح متكررة كل 15 إلى 20 عاماً في منطقة بانتانال-تشيكيتانو بحلول نهاية القرن إذا استمرت الانبعاثات في مسارها الحالي. أما في حال التحرك العالمي نحو صفر انبعاثات بحلول 2070، فستبقى مثل هذه المواسم نادرة الحدوث.
ويتوقع العلماء أيضاً زيادة تصل إلى خمسة أضعاف في الحرائق الشديدة التي ضربت حوض الكونغو في يوليو 2024، إلا أن العمل المناخي القوي يمكن أن يقلل هذه الزيادة إلى نحو 11٪ فقط.
دعوة للتحرك في مؤتمر المناخ COP30
حثّ الدكتور مات جونز من جامعة إيست أنجليا قادة العالم على اتخاذ التزامات جريئة في مؤتمر الأطراف الثلاثين (COP30) المقبل، قائلاً:
“خفض الانبعاثات بسرعة خلال هذا العقد هو أعظم مساهمة يمكن أن تقدمها الدول المتقدمة لتجنب أسوأ آثار حرائق الغابات المتطرفة على الأجيال الحالية والمقبلة.”
كما دعا التقرير إلى تحسين إدارة الأراضي عبر تقليل إزالة الغابات، وإجراء حرائق موجهة ومدروسة في بعض المناطق للحد من تراكم الوقود النباتي، إضافة إلى تخطيط عمراني يبتعد عن المناطق عالية الخطورة، وتعزيز أنظمة الإنذار المبكر والمراقبة الجوية.
وأكدت الدكتورة ماريا باربوسا من مركز UKCEH أن
“الوقت لم يفت بعد لتجنب تصعيد دراماتيكي في حرائق الغابات حول العالم، وحماية الناس والطبيعة والاقتصاد.”
نُشر تقرير “حالة حرائق الغابات 2024-2025” في مجلة Earth System Science Data بمشاركة أكثر من 60 باحثاً من 20 دولة. ويهدف المشروع إلى توثيق أسباب واتجاهات الحرائق الشديدة وفهم دور المناخ في زيادتها، من أجل دعم قدرة المجتمعات على التكيف مع عالم أكثر سخونة واشتعالاً.