طور باحثون من جامعة دارمشتات التقنية في ألمانيا نظاماً مبتكراً لتتبع المواد في مواقع البناء، يعتمد على “منصات ذكية” مزودة بمستشعرات رقمية لقياس الارتفاع. يهدف هذا النظام إلى تسهيل معرفة مكان وجود المواد في المباني متعددة الطوابق، ما قد يوفر وقتاً وجهداً كبيرين ويقلل من التكاليف.
في مواقع البناء الكبيرة، يقضي العمال وقتاً طويلاً في البحث عن الأدوات والمواد، وهو ما يؤدي إلى تعطيل العمل وتأخير المشاريع. البحث المنشور في مجلة Smart Construction يعرض حلاً عملياً: إضافة أجهزة استشعار صغيرة إلى المنصات الخشبية التقليدية (pallets) التي تُستخدم عادة لنقل وتخزين المواد.
كيف تعمل التقنية؟
تحتوي هذه المنصات الذكية على مستشعرات ضغط جوي (بارومترية) تعمل كـ”مقاييس ارتفاع رقمية”، قادرة على تحديد الطابق الذي توجد فيه المنصة عبر قياس ضغط الهواء. يتم بعد ذلك إرسال البيانات عبر شبكة اتصال منخفضة الطاقة تُعرف باسم LoRaWAN، ما يتيح لمديري المواقع والعمال معرفة موقع المواد فوراً على أجهزتهم.
وقد نجح الفريق البحثي في بناء نموذج أولي (prototype) أثبت أن التقنية تعمل بكفاءة. فقد تمكنت المستشعرات من التمييز بين الطوابق التي يفصلها عادة ثلاثة إلى أربعة أمتار، كما أثبتت الاختبارات أن إشارات LoRaWAN قادرة على اختراق الجدران والأرضيات دون فقدان الاتصال، وهو ما يجعلها مناسبة للظروف المعقدة في مواقع البناء.
منخفضة التكلفة وعملية
الميزة الأبرز لهذه التقنية هي بساطتها وانخفاض تكلفتها مقارنة بحلول التتبع الأخرى. إذ لا تحتاج إلى بنية تحتية باهظة الثمن أو ملصقات هشة، بل تدمج مباشرة في المنصات المستخدمة يومياً. يقدَّر ثمن تصنيع كل منصة ذكية بحوالي 50 يورو فقط، ويمكن للبطارية أن تعمل لأشهر قبل الحاجة إلى إعادة الشحن. كما أن الأجهزة محمية داخل المنصات نفسها، ما يزيد من متانتها.
الطريق نحو “توأم رقمي” لمواقع البناء
ورغم أن التجارب حتى الآن جرت في بيئات مُسيطر عليها، يخطط الباحثون لاختبار النظام في مواقع بناء حقيقية والعمل على تحسين إدارة الطاقة وتغطية الإشارة ومزامنة البيانات. على المدى الطويل، يمكن دمج هذه التقنية في النماذج الرقمية لمواقع البناء، ما يُعرف بـ”التوأم الرقمي”، لتوفير صورة شاملة ودقيقة عن حالة الموقع وتوزيع المواد فيه.
هذا الابتكار يمثل خطوة مهمة نحو مواقع بناء أكثر ذكاءً وكفاءة، حيث يمكن حتى لأدوات بسيطة مثل المنصات الخشبية أن تلعب دوراً محورياً في تحديث صناعة التشييد.