الرئيسية / البيئة والمناخ / تعثر مفاوضات المعاهدة العالمية للبلاستيك في جنيف وسط انقسامات حادة
مفاوضات البلاستيك - جينيف ٢٠٢٥
مفاوضات البلاستيك - جينيف ٢٠٢٥

تعثر مفاوضات المعاهدة العالمية للبلاستيك في جنيف وسط انقسامات حادة

جنيف خاص – يمن ساينس

تقرير – عبدالرحمن أبوطالب
اختتمت الجولة الثانية من الدورة الخامسة للمفاوضات بشأن المعاهدة العالمية للحد من التلوث البلاستيكي (INC‑5.2) في جنيف دون التوصل إلى اتفاق، ما اعتُبر انتكاسة جديدة في مسار تفاوضي انطلق منذ أكثر من ثلاث سنوات وسط أزمة بيئية وصحية عالمية متفاقمة.

وعلى الرغم من مشاركة أكثر من 2,600 شخص يمثلون 183 دولة ومنظمات أممية ومجتمع مدني وقطاع خاص، فإن الاجتماعات التي استمرت لعشرة أيام تحت مظلة برنامج الأمم المتحدة للبيئة انتهت دون تحقيق اختراق حاسم في صياغة المسودة النهائية للمعاهدة المفترض أن تكون ملزمة قانونيًا وتغطي كامل دورة حياة البلاستيك.

جدل حول الإنتاج… وصراع بين المصالح والسيادة البيئية

تركّزت الانقسامات خلال جلسات INC‑5.2 حول جوهر المعاهدة: هل ينبغي معالجة التلوث من خلال تقليص الإنتاج العالمي للبلاستيك، أم الاكتفاء بتعزيز إدارة النفايات وإعادة التدوير؟ فقد دعت أكثر من 100 دولة – من ضمنها دول الاتحاد الأوروبي، رواندا، وتشيلي – إلى فرض قيود واضحة على إنتاج البلاستيك الجديد، معتبرة ذلك السبيل الوحيد للحد من الأزمة من جذورها.

في المقابل، عارضت دول رئيسية منتجة ومصدّرة للبلاستيك، مثل الولايات المتحدة، الصين، السعودية، الهند وروسيا، هذا التوجه، مفضّلة أن تركز المعاهدة على حلول “نهاية الأنبوب”، مثل إعادة الاستخدام وتحسين البنية التحتية لمعالجة النفايات.

موقف ترامب يغيّر المعادلة

دونالد ترامب
دونالد ترامب

ووفقا لم أوردته رويترز ، وجهت الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب قبل أيام من افتتاح الجلسات، حسب مذكرة داخلية مؤرخة في 25 يوليو 2025، إلى عدد من الدول رسالة تُحذر من اعتماد “قيود على إنتاج البلاستيك ومواد كيميائية مضافة”، معتبرة ذلك “سيزيد من تكاليف المنتجات البلاستيكية المستخدمة في حياتنا اليومية”  .

الرسالة الأميركية رافقت موقفًا يمس جوهر التفاوض، إذ أسقطت من مفاوضات جنيف اللغة السياسية التي تدعو لمعالجة “دورة حياة البلاستيك بالكامل”، مما أدى إلى تراجع طموحات نحو توافق دولي شامل  .

القرار الأميركي قوبل بانتقادات حادة من منظمات البيئة. وعلّق مسؤول من Greenpeace بأن الإدارة “عادت إلى أساليب البلطجة القديمة باعتماد نفوذها الاقتصادي لتقليص المعايير العالمية لصالح مصالحها الصناعية”  .

كما عبّرت وزيرة البيئة الفرنسية أغنس بانيي-روناشيه عن غضبها إزاء عدم تحقيق أي نتائج، رغم الجهود المبذولة. كذلك علّق مفاوض بنما دبرا سيسنيروس بأن الولايات المتحدة كانت “ضد كل بند مهم تقريبًا”، مما أظهر صعوبة التوافق مع موقف صعب وغير مرن.

نقاط انسداد متعددة

بالإضافة إلى قضية الإنتاج، اصطدمت المفاوضات بعدة تحديات هيكلية أخرى، منها:
• غياب التوافق على آليات التمويل ونقل التكنولوجيا للدول النامية.
• خلافات بشأن حظر المواد الكيميائية السامة المضافة للبلاستيك.
• جدل حول نظام الالتزام والمساءلة للدول الموقعة.
• تقييد عملية التفاوض بـ”مبدأ الإجماع”، ما يمنح بعض الدول قدرة على تعطيل التقدم.

أصوات من داخل قاعات التفاوض: الشباب يرفعون الصوت

أصيل أبوطالب
“أصيل أبوطالب”

رغم الفشل الرسمي، رأى بعض المشاركين أن الجولة الأخيرة كشفت تقدمًا غير مباشر.

يقول أصيل أبوطالب، خبير مشارك في المفاوضات وعضو فريق التنسيق المؤقت لشبكة العمل الشبابي للحد من التلوث البلاستيكي (YPAN):

“لم تكن جولة INC-5.2 فشلًا كاملًا. لقد وضّحت خطوط التباين بين الأطراف وساهمت في تقريب وجهات النظر. لكن من دون موعد نهائي واضح وعملية تفاوض أكثر فاعلية، سنظل ندور في حلقات بينما يواصل التلوث البلاستيكي تهديد البيئة والصحة العامة.”

وأضاف أن المجتمع المدني والشباب لعبوا دورًا حيويًا في الضغط داخل الجلسات العلنية واللقاءات الجانبية، مؤكدًا أن المعاهدة المنشودة يجب أن تكون عادلة وطموحة وتخدم الأجيال القادمة.

من جانبه، قال البروفيسور ريتشارد ثموبسون، رئيس وحدة أبحاث النفايات البحرية بكلية بليموث من “التحالف العلمي لمعاهدة فعالة للبلاستيك:

“من المؤسف أن الوفود لم تتمكن من التوافق، لكن ربما يكون من الأفضل الآن ألا يكون هناك اتفاق، بدلًا من القبول باتفاقي مخفف يفقد فعاليته تمامًا.”

من جهتها، اعتبرت البروفيسور ألدينا فرانكو، أستاذة علم البيئة بجامعة إيست أنغليا، أن استمرار النقاش رغم الإحباط يُحمّل بعض الأمل. وقالت:

“الأدلة على أضرار البلاستيك تتزايد. رغم خيبة الأمل من عدم الوصول إلى اتفاق، من المشجع أن الدول لا تزال مستمرة في الحوار.”

تحذيرات علمية… وقلق متزايد

تزامنت المفاوضات مع صدور تقارير علمية حديثة أظهرت دلائل متزايدة على الارتباط بين المواد الكيميائية المستخدمة في البلاستيك، مثل الفثالات والبيسفينول، وبين انخفاض مستويات الخصوبة لدى البشر وزيادة الإصابة باضطرابات الغدد الصماء.

كما أضهرت دراسة حديثة في مجلة nature عن اكتشاف جسيمات بلاستيكية دقيقة في أنسجة دماغ الإنسان بنسبة زيادة بلغت 50% بين عامي 2016 و2024. في حين كشفت دراسة حديثة أخرى عن وجود جسيمات بلاستيكية دقيقة في أنسجة الأعضاء التناسلية لدى الذكور، وُجدت في 80% من العينات التي خضعت للتحليل الجراحي. وتُعد هذه أول دلائل على تسرب التلوث البلاستيكي إلى أعضاء حساسة لدى البشر، ما أثار مخاوف جديدة حول الأثر التراكمي للتعرض للبلاستيك على المدى الطويل.

سيناريوهات ما بعد جنيف: هل يستمر المسار التفاوضي؟

مع تعثر مفاوضات جنيف،لا يزال مستقبل المعاهدة غامضًا لهذا تقرر ابقاء الباب مفتوحا لاستئناف مفاوضات الجوله الخامسة في موعد آخر لم يحدد بعد. وهو مايعني أن الوقت لازال مبكرا للحديث عن تحديد موعد أو مكان للجولة السادسة (INC‑6)، رغم وجود دعوات ملحّة لوضع جدول زمني واضح ونهائي للعملية.

من بين الخيارات التي يدرسها بعض المفاوضين والمراقبين:
• إنشاء تحالف طوعي من الدول الطموحة يطبق المعايير بيئيًا داخل أسواقه الوطنية.
• تطوير بروتوكول دولي جديد تحت مظلة اتفاقية بازل بشأن النفايات.
• إصلاح آليات التفاوض للتخلص من شرط الإجماع، وتبني التصويت بالغالبية المؤهلة.

خلفية وأرقام
• يُنتج العالم سنويًا أكثر من 430 مليون طن من البلاستيك، يُعاد تدوير أقل من 10% منها.
• يتوقع أن يتضاعف الإنتاج بحلول عام 2060 إذا لم تُتخذ إجراءات صارمة.
• أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2022 عملية التفاوض على معاهدة ملزمة بموجب القرار 5/14.

شاهد أيضاً

sea

البحر المتوسط يسجل أعلى حرارة على الإطلاق والأنظمة البيئية على المحك

شهد البحر الأبيض المتوسط خلال يوليو 2025 أعلى درجات حرارة مسجلة منذ بدء القياسات، مما …