مهندس : عبد الإله أنقع
في العام 1965 م أطلق غوردون مور أحد مؤسسي انتل مبدأه الشهير الخاص بتطور معالجات الكومبيوتر و الذي ينص على التالي ” كل عامين سيزداد عدد الترانزيستورات الموضوعة على لوحات معالجات الكومبيوتر و سيتقلص حجمها إلى النصف”، و في الحقيقة فقد عاد مور و عدل مبدأه ذلك لتصبح الفترة الزمنية 18 شهرًا بدلًا عن عامين.
و ما لم يقله مور أيضًا و لكنه حصل هو أن أسعار تلك المعالجات استمر بالتناقص بشكل لافت مع تطورها.
قبل سبع سنوات انشغلت الأوساط العلمية بنتيجة توصل إليها مجموعة من الفيزيائيين و مطوري الحواسيب مفادها أن مبدأ ”مور” سيكون قابلًا للتطبيق لعشر سنواتٍ إضافية فقط، و بعد ذلك سيصبح من المستحيل زيادة عدد الترانزيستورات و التي سيكون حجمها قد وصل إلى المستوى الذري .. بمعنى أن الترانزيستور سيكون بحجم الذرة و هي أقل وحدة للمادة ممكن تصغير المعالجات إليها.
في العام 2016 كان أحد معالجات انتل يحمل مليار و سبعمائة مليون ترانزيستور على سطح لا تتجاوز مساحته الإنش المربع.. و يبدو أن مبدأ مور الذي و ضعه قبل ستين عامًا كان صحيحًا و كذلك ما تنبأ به الباحثون في العام 2000 م سيتحقق أيضًا..
الفزيائيون لهم وجهة نظرٍ أخرى هنا …
سيستحيل قريبًا زيادة عدد الترانزيستورات على لوحات المعالجات و لكن على المستوى الذري ستعمل فيزياء من نوعٍ آخر … فيزياء الكم..
ستكون الحواسيب المستقبلية حواسيب كمومية، و لفهم مبدأها و لكي لا يتشعب الحديث في فيزياء أنا شخصيًا حاولت أثناء الدراسة الجامعية القراءة عنها لفترة و لكنني توقفت نتيجة تعقيداتها و انشغالي بدراسة تخصصي، فإننا نتحدث عن حواسيب ”كمومية مستقبلية” تقوم بملايين العمليات الحسابية في الوقت ذاته عوضًا عن الحواسيب الحالية ”
الميكانيكية” و التي تقوم بعملية واحدة فقط في الوقت نفسه “طبعا بسرعة خارقة لدرجة أنه في الثانية الواحدة تقوم بعمل ملايين العمليات”.
هذا الأمر سينقل الحوسبة و الأتمتة إلى مدايات أوسع و سيتمكن البشر ربما من إيجاد تطبيقات لم نكن حتى نفكر بها أوحتى نتصورها حتى الآن، لعل أهم تلك التطبيقات هو مجال الذكاء الصناعي و الآلات التي تفكر، و بكل تأكيد في مجال المعلومات و التخزين لها و القائمة طويلة ما يزال الباحثون حتى اليوم يحاولون توسيع مداركهم لاستيعابها.
بالطبع جميع المختصين بهذه الأمور الشيقة هم أبرع مني في الكتابة عنها و في شرحها، و لكنني منجذب نحو التفكير في أمرين :
الأول هو إلى أين يتجه بنا التطور التكنولوجي و المعرفي؟
لقد استغرق الإنسان ملايين السنوات ليخطو أول خطوة تكنولوجية له و التي تمثلت في استعمال الشيء الأول كآلة “ربما كانت حجرًا و ربما كانت عصا … لا أحد يعرف” و لكن منذ ذلك الوقت تسارعت قدرتنا على الابتكار و تقلصت في كل مرة الفترة الزمنية اللازمة للابتكار التالي.. لقد قضى الإنسان سبعة آلاف عامٍ بين اختراع الأبجدية وبين إختراع ال
طباعة غير أن أربعمائة عامٍ فقط مضت حتى اخترع الكتب الإلكترونية ولن تمر أربعين عاما حتى يتم اختراع وسيلة للقراءة والكتابة تتعامل مع الدماغ البشري عن طريق تكنولوجيا النبض الكهربائي الحيوي..
لا يحد من قدرة البشر على الابتكار سوى حدود خيالهم، وحتى هذا الأمر عندما يصبح خيالنا اقل قدرة على الابتكار سيوكل إلى الآلات قريبا لتقوم به “التفكير” مع ظهور الحواسيب الكمومية.
لن يستمر شيءٌ على حاله..
وربما سنضطر مع تقدم الآلات وقدرتها العالية على التفكير نتيجة طبيعة مواردها الشبكية إلى ربط ادمغتنا كبشر بواسطة شبكة ما للتفكير بشكل جمعي كي نستطيع التفكير بشكل أفضل ولكي لا تتحكم فينا الآلات..
ما لا شك فيه أن لا أحد يعرف أين نتجه.. على الأقل نحن كيمنيين نعرف، فطريقنا معبد نحو الجحيم “ملاحظة لا معنى لها”.
الأمر الثاني يتعلق بمقارنة كل هذا التطور في الحواسيب ومقدرتها المتزايدة يوما بعد يوم والثورات التي يعدنا بها هذا المجال مع معدل التطوير في بقية المجالات..
تخيلوا معي لو كان التطور في مجال الصحة العامة و الأدوية مشابهً لتطور الحواسيب.. ربما لكنا وصلنا اليوم إلى مرحلة العيش دون أمراض ومن يدري ربما كنا قد هزمنا الموت..
في مجال الطاقة ربما كنا قد وصلنا إلى مرحلة تشغيل العالم كله من خلال مصادر طاقة نظيفة ومتجدد بنسبة مائة في المائة، أو ربما امكننا تخزين الطاقة الكافية لإنارة مدينة في بطارية بحجم بطارية السيارات… وفي مجال النقل والمواصلات لعلنا كنا اليوم نستخدم سيارات طائرة..
لقد قفزت تكنولوجيا المعلومات والحوسبة قفزات مهولة بينما استمرت بقية المجالات تتطور بمعدلات أقل بكثير..
ما الذي حدث في مجال تقنية المعلومات والحوسبة و أتاح لهذا المجال كل هذا النمو؟ ولم لم تنمو بالمعدل ذاته مجالات أخرى؟
تبدو الإجابة مرتبطةً بطبيعة مجال المعلومات والحوسبة وطبيعة بقية المجالات..
ارتبطت الحوسبة وتقنيات المعلومات منذ فترة لا بأس بها بالفضاءات الإليكترونية و الأنترنت… عالم بلا قيود ولا حدود وسيطرة أقل للحكومات والشركات والكارتلات والتيكونات الاقتصادية التقليدية..
لا بل قامت معظم تلك الشركات على أساس من إتاحة الفرصة للجموح البشري لينطلق بلا حدود
ويبدو أن البشر يبدعون أكثر عندما لا تحاصرهم القيود.. وعندما لا تحاصرهم الحدود.. وعندما لا يلاحقهم ظل الاخ الاكبر ”الدولة”.
بينما استمرت بقية المجالات محكومة بقوانين عتيقة للحكومات والمعاهدات والمصالح لكارتلات الشركات المسيطرة على الأسواق..
النموذج الذي قدمه قطاع تكنولوجيا المعلومات وتقنية الحاسوب يجب أن يُستلهم ويجب أن يعمم لخير البشرية..
بلا شك نحن في اليمن نعيش خارج هذا النقاش الفكري والفلسفي والاجتماعي.. ولكن ما يحزن أكثر أن جميع دول المنطقة بلا استثناء بما في ذلك دولاً مستقرة و ذات إمكانيات كبيرة ما زالت هي الأخرى تعيش خارج تلك النقاشات..
ما نزال نرى كل أنواع الإجراءات الحمائية والتفضيلية في قطاعات تحتاج إلى إطلاق العنان للمنافسة فيها لتزدهر… إجراءات الحماية ينتج عنها فقط الاسترخاء لدى من يتم حمايتهم… فيما المنافسة تشحذ العقول وتطلق أفضل ما لدى الأفراد..
لست بالتأكيد في وارد مناقشة تفصيلية لما أعنيه هنا فهنالك الكثير من المحاذير… ولكنني متأكد جدًا من سخافة فكرة فرض قيود على مجموعة بشرية لكي تتاح الفرصة بطريقة تفصيلية لمجموعةٍ بشرية أخرى.. الأمر ببساطة سيكون كالتالي : ستستمر الفئة المفضلة في الركون إلى امتيازاتها التفضيلية وسيستمر من فرضت عليهم القيود في ابتكار وسائل لكسر تلك القيود وبالتالي يصبحون أكثر نشاطاً و ابداعا..
لقد ابتعدت كثيرا… لا بأس انا فقط أتكلم مع نفسي..