الرئيسية / البيئة والمناخ / التغير المناخي في اليمن بين التحديات والمسؤولية على الصعيدين، المحلي والعالمي
أشخاص يسيرون على تربة متصدعة بسبب الجفاف في ضواحي صنعاء ، اليمن ، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢. رويترز / خالد عبد الله
أشخاص يسيرون على تربة متصدعة بسبب الجفاف في ضواحي صنعاء ، اليمن ، ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢. رويترز / خالد عبد الله

التغير المناخي في اليمن بين التحديات والمسؤولية على الصعيدين، المحلي والعالمي

تقرير خاص – يمن ساينس

عبدالرحمن أبوطالب

 

لتغير المناخ تأثير غير متناسب على البلدان النامية والمجتمعات الفقيرة. هذه المجتمعات أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ بسبب مواردها المحدودة، ونقص البنية التحتية، وعدم كفاية خطط التأهب والاستعداد لمواجهة آثار التغير المناخي.  واليمن ليست استثناء من ذلك كونها واحدة من أفقر دول العالم، مع اقتصاد متعثر وعدم استقرار سياسي وأمني ليأتي تأثير تغير المناخ على البلاد، في ظل الحرب، ويفاقم الوضع أكثر، مؤديا إلى مجموعة متنوعة من المشاكل.

يعد الجفاف من أهم آثار تغير المناخ في اليمن. فاليمن بلد صحراوي بالفعل، والأمطار فيه نادرة، مما يجعل الزراعة عملية صعبة. ومع ذلك، فقد أدى تغير المناخ في السنوات الأخيرة إلى انخفاض هطول الأمطار، مما تسبب في موجات جفاف شديدة كان لها تأثير مدمر على قطاع الزراعة في البلاد، الذي يفتقر في الأصل إلى الموارد المائية، وهو ما أدى بالنتيجة إلى نقص الغذاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية وانتشار سوء التغذية.

إذ تَسبّبت موجة الجفاف غير المسبوقة التي ضربت البلاد في عام ٢٠٢٢ بارتفاع حادّ في درجات الحرارة، وبخاصة في المحافظات الساحلية، وجفاف العشرات من آبار المياه التي يعتمد عليها عشرات الآلاف من اليمنيين من سكان الأرياف والمرتفعات. ومثّلت هذه الظاهرة تحدّياً كبيراً حيال الأمن الغذائي ومصادر دخل الملايين من اليمنيين الذين يعمل ٥٤٪ منهم في الزراعة، التي تساهم بأكثر من ١٣.٧٪ من إجمالي الناتج المحلي، وتوفّر ربع الاستهلاك الغذائي. بحسب تقرير نشر في صحيفة الأخبار اللبنانية منتصف العام ٢٠٢٢.

وفي نفس العام أيضا، حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن التغيرات المناخية والجفاف قد يدفعان المجتمعات المحلية في اليمن إلى نقطة الانهيار؛ إذ يشهد المزارعون تدمير سبل عيشهم بسبب الجفاف الشديد والفيضانات المدمرة والصراع الطاحن، مما يجعل من الصعب عليهم تغطية نفقاتهم خاصة أن ما يقرب من ١٩ مليون شخص في اليمن أصبحوا غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية في جميع أنحاء البلاد. ونبهت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقريرها إلى أن أزمة المناخ والصراع يجبران المزيد من العائلات على ترك منازلهم؛ إذ تشير التقديرات إلى أن أكثر من٣.٣ مليون شخص في اليمن نزحوا من منازلهم، وقالت إنه من غير المألوف أن يفر الناس من منازلهم بحثاً عن الأمان من الصراع، ثم يغادرون مرة أخرى لأن الأرض لا يمكن زراعتها. 

من جانب آخر، أوضحت نشرة المناخ الخاصة بمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة الصادرة في سبتمبر من العام ٢٠٢٢ أن اليمن شهدت في الفترة ما بين يناير ويونيو ظروف الجفاف المتوسطة إلى الشديدة. اقترنت هذه الظروف بارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، مما أدى إلى تضرر جميع المناطق المزروعة في البلد. اشتدت ظروف الجفاف وأصبحت أكثر شدة في الفترة ما بين أبريل ومايو. كانت الفترة من يناير إلى يونيو هي ثالث فترة يتم تسجيلها كالأشد جفافًا في حوالي ٤٠ عامًا بعد عامي ٢٠١٤ م و٢٠٠٠م.

وفقًا للتقارير الواردة من منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فإن ظروف الجفاف تسببت بخسارة كبيرة في المحاصيل، غير أن هذه الظروف بشكل عام تهدد سبل العيش، وتؤثر سلبًا على وضع الأمن الغذائي، وتزيد من مخاطر الأمراض وسوء التغذية، وفي أسوأ الحالات للوفيات. وتشمل الأضرار الأخرى تدهور الموائل والمناظر الطبيعية، وزيادة أسعار المياه والغذاء، التي من المحتمل أن تؤدي إلى الهجرة الجماعية والنزوح.

غير أن الجفاف ليس الأثر الوحيد لتغير المناخ في اليمن، فقد لوحظ زيادة وتيرة وشدة الظواهر الجوية المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات. كانت اليمن معرضة بالفعل لمثل هذه الأنشطة المدارية، لكن تغير المناخ جعلها أكثر تواتراً وأكثر تدميراً في السنوات الأخيرة وتسببت هذه الأحداث في إلحاق الضرر بالبنية التحتية والمنازل وسبل العيش، مما تسبب في نزوح الكثير من الناس لاسيما في المناطق الساحلية التي غالبا ما تستقبل الأعاصير القادمة من المحيط.

ففي أكتوبر من عام ٢٠٠٨ تسببت عاصفة مدارية قدمت من بحر العرب في حدوث فيضانات جارفة في عدد من محافظات اليمن وهي حضرموت ولحج والمهرة وتعز، أسفرت عن مقتل حوالي ١٨٠ شخص كما تركت العاصفة أكثر من ١٠٠ ألف شخص على الأقل بدون مأوى، وكان التأثير الأسوأ في حضرموت حيث سقط فيها معظم القتلى.

وفي نوفمبر ٢٠١٥ ضرب إعصارين متتالين، هما إعصاري تشابالا وميج، السواحل اليمنية متسببا في خسائر فادحة. وقد أعلنت الحكومة اليمنية عدد من المناطق في جزيرة سقطرى منطقة منكوبة، جراء الأعاصير التي اجتاحت الجزيرة، وتسببت بتدمير أكثر من ٧٠ منزلاً وتضرر ما لا يقل عن ١٠٠ منزل آخر، وإغراق مساحة واسعة من الجزيرة، وفي المكلا تسببت الأعاصير في مقتل ٨ أشخاص وتدمير مئات المنازل. وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ في المحافظات الساحلية الجنوبية وهي عدن وأبين وشبوة وحضرموت وأرخبيل سقطرى.

أما في مايو من عام ٢٠١٨ فقد ضرب إعصار مكونو، وشدته من الدرجة الأولى، جزيرة سقطرى مخلفا وراءه خمسة قتلى وأربعة مفقودين علاوة على أضرار للبنية التحتية، لتعلن اللجنة العليا للإغاثة في اليمن سقطرى محافظة منكوبة مرة أخرى.

وفوق كل ذلك، كان لارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ تأثير شديد على الصحة العامة في اليمن. فقد شهدت البلاد زيادة في انتشار سوء التغذية والأمراض المعدية المرتبطة بالتغيرات في أنماط الطقس وارتفاع درجات الحرارة مثل الكوليرا وحمى الضنك والملاريا، في ظل تدهور القطاع الصحي والبيئي في البلاد بسبب الحرب والصراع الدائر بين الأطراف المختلفة.

هل من معالجات؟

لم يعد خافيا أن تأثير تغير المناخ على اليمن شديد وواسع الانتشار، مما يؤدي إلى مجموعة من المشاكل الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والصحية والبيئية للبلاد. وبات الوضع يمثل تحديًا بالنسبة لليمن بشكل خاص، نظرًا لوضعه الصعب بالفعل كدولة فقيرة وغير مستقرة. فما الذي يمكن القيام به لمواجهة خطر التغير المناخي والحد من تأثيراته العديدة وعلى رأسها الجفاف؟

في هذا الصدد، يؤكِّد الباحث الزراعي محمد صالح حاتم، في حديث لـ”خيوط” – وهي منصة الكترونية مستقلة تقدّم محتوى إعلاميًّا ومعرفيًّا عن اليمن – على ضرورة التدخل السريع والعاجل للجهات العامة المختصة، وتقديم قروض الدعم وتوفير منظومات طاقة شمسية ووسائل ري حديثة، للمزارعين إلى جانب تسهيل شراء منظومات الري الحديثة من قبل التجار. ويختم حاتم حديثه بالقول: “يتوجب تخصيص جزءٍ من موارد الأوقاف وتوجيهها نحو الزراعة، وبالتحديد الموارد المائية في الوقت الحالي؛ لإنقاذ محاصيل الحبوب التي تم بذرها من قبل المزارعين عبر جمعيات تعاونية”.

أصيل إبراهيم ابوطالب
أصيل إبراهيم ابوطالب

من جانب آخر، يرى الناشط البيئي والباحث في جامعة أمستردام أصيل إبراهيم أبوطالب أن مواجهة تحديات التغير المناخي في اليمن ليست مسألة محلية بحتة، وقال في حديث خاص ليمن ساينس أنه بالنظر إلى أن مشكلة التغير المناخي قضية عالمية فليس من العدل أن تقف اليمن وغيرها من الدول الفقيرة والنامية وحيدة في مواجهة عواقب وآثار هذا المناخ المتطرف والمتقلب الذي لم يتغير طبيعيا بل وفق عوامل تدميرية من صنع البشر. وتساءل “لماذا تتحمل هذه الدول الضرر الأكبر نتيجة التغير المناخي في العالم وتدفع شعوبها ثمنا غاليا لمعالجة مشكلة تسببت بها الدول الصناعية على مر العقود؟” وأضاف ” اعتراف الدول الصناعية والغنية بالخسائر والأضرار في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ كان بمثابة الخطوة الأولى لإعادة الثقة بين البلدان المتقدمة والنامية وعليها يجب أن يتم العمل على كافة الترتيبات المالية والإدارية والمؤسسية لمعالجة تأثيرات المناخ والعمل على التحول الطاقي بشكل عادل نحو عالم بدون انبعاثات كربونيه وطاقة نقية ومتجددة.”

المسؤولية الأخلاقية للدول الصناعية والمنتجة للغاز والنفط لمساعدة الدول النامية في مواجهة التغيرات المناخية.

تتحمل الدول الصناعية وتلك المنتجة للوقود الأحفوري مسؤولية أخلاقية كبيرة لمساعدة الدول الفقيرة في مواجهة تحديات تغير المناخ. تعد الدول الصناعية تاريخياً أكبر المساهمين في انبعاثات الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي مسببة الاحتباس الحراري، مما أدى إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض وتغير المناخ. ويعتبر الوقود الأحفوري – الفحم والنفط والغاز – إلى حد بعيد أكبر مساهم في تغير المناخ العالمي، إذ يمثل أكثر من ٧٥ في المائة من انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية وحوالي ٩٠ في المائة من جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وفق تقارير الأمم المتحدة. وقد أثر ذلك بشكل غير متناسب على البلدان الفقيرة، التي ساهمت بشكل ضئيل للغاية في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري عالميا، ولكنها أكثر عرضة للآثار الضارة لتغير المناخ. 

علاوة على ذلك، تتمتع البلدان الصناعية بمستويات أعلى بكثير من الموارد الاقتصادية والتكنولوجية مقارنة بالدول الفقيرة. نتيجة لهذا فإن لديهم قدرة أكبر على تطوير وتنفيذ حلول مستدامة للتخفيف من تغير المناخ ومساعدة البلدان الفقيرة في فعل الشيء نفسه.

في هذه النقطة يقول أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) ، والذي صدر منتصف شهر مارس ٢٠٢٣ أن النجاح في مواجهة تحديات التغير المناخي عالميا يتطلب تمويلا وفيرا لاتخاذ إجراءات أقوى بكثير في البلدان النامية. ولدى العالم الكثير من المال لمعالجة هذه المشكلة، ولكن يجب على دول ومؤسسات الشمال العالمي الوفاء بالتزامها القانوني بتقديم ١٠٠ مليار دولار من المساعدات المناخية السنوية، وأكثر من ذلك بكثير في المستقبل.

ويضيف التقرير نصًا: “إن اعتماد التكنولوجيات المنخفضة الانبعاثات يتخلف في معظم البلدان النامية، ولا سيما أقل البلدان نموا. وإذا أردنا تحقيق الأهداف المناخية، فإن تمويل التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ يحتاج إلى زيادة أضعاف مضاعفة. هناك رأس مال عالمي كاف لسد فجوات الاستثمار العالمية ولكن هناك حواجز أمام إعادة توجيه رأس المال إلى العمل المناخي”.

ولكن، يبقى الأمر منوطا بالتزام الدول الصناعية أخلاقيا الإسهام الجدي في معالجة آثار التغير المناخي والعمل على حل المشكلة من جذورها بتصفير الانبعاثات وهو أمر بات محل جدال لاسيما بعد تنصل الولايات المتحدة من التزاماتها عقب انسحابها من اتفاق باريس التاريخي للمناخ عام ٢٠١٥، رغم تداركها لهذا الخطأ وعودتها مجددا لتبني الإتفاق. وهو ما أكدته الناشطة في مجال البيئة والتغير المناخي هلا مراد لموقع العربي بالإشارة إلى أن دولًا عديدة تعهّدت منذ اتفاق باريس للمناخ عام ٢٠١٥ بخفض الانبعاثات في كل دول العالم غير أن الدول الكبرى والصناعية لم تلتزم بهذه الإجراءات، وقد عادت أوروبا للاعتماد على الوقود الأحفوري كمصدر للطاقة بعد أزمة الطاقة المستجدة. كما ترى الناشطة أن لا جدية في تعامل الدول الكبرى مع ملف المناخ، مؤكدة ضرورة العمل بشكل عاجل ومستدام لدرء الخطر.

ختاما، من المهم الاعتراف بأن تغير المناخ هو قضية عالمية عابرة للحدود تهدد الوجود البشري على هذا الكوكب وتتطلب بالضرورة نهجًا تعاونيًا وشاملًا لمعالجة الأزمة العالمية بشكل جماعي. يقع على عاتق البلدان الصناعية التزام أخلاقي باستخدام قوتها ومواردها لدعم البلدان الفقيرة في التعامل مع آثار تغير المناخ والعمل على خلق مستقبل أكثر استدامة وإنصافًا للجميع. وتبقى مصداقية الدول الكبرى على المحك مقرونة بمدى التزامها الجاد بهذه المسؤولية الأخلاقية.

شاهد أيضاً

المهندس طارق حسان

مقابلة خاصة | طارق حسان، أحد الرواد الأوائل للعمل المناخي في اليمن.

المهندس طارق حسان – رائد العمل المناخي في اليمن حضوره ل عشرة مؤتمرات مناخ كمراقب وممثل …