د. مختار علي العمراني *
حجم الخراب في قطاع الطاقة باليمن يفوق حجم الخراب الذي خلفته الحرب في الجانب السياسي والخدمي الذي نعيشه، والتعقيدات التي تواجه إصلاح قطاع الطاقة باليمن تتجاوز تلك التعقيدات التي نراها أمامنا في التشكيلة السياسية التي ولدتها لنا الحرب ومخرجاتها..
هل وصل وضع الطاقة في اليمن الى أسفل المنحدر ام أن المنحنى حالياً بدأ بالتصاعد، وهل السنوات القادمة ستعيدنا الى نفس الخط مع بقية دول العالم؟ أرجو ان تقفوا مليا عند كل رقم مكتوب في هذه المقالة لتعرفوا الاجابة.
دائماً يقترن اسم الطاقة بالكهرباء، رغم أن الاول أشمل بكثير، لكن تعتبر الطاقة الكهربائية أفضل نوع من مصادر الطاقة تحويلا وكفاءة وتخزينا ونقلا.. توفر مصادر طاقة آمنة يعتبر أهم أولويات الحكومات والدول وعلى أساسها تقام الحروب والنزاعات وهي عنصر رئيسي لجذب الاستثمارات المحلية والاجنبية للدول، ومؤشر نصيب الفرد من الكهرباء المولدة (إجمالي الكهرباء المولدة على عدد السكان) مؤشر آخر تهتم به الدول ويقاس من خلاله مدى تقدم الدول من عدمه. تنوع مصادر التوليد وتوفر شبكة متكاملة لتوزيع الكهرباء بلا انقطاع وبكفاءة عالية تعتبر عناصر مهمة في اقتصادات الدول والمجتمعات. في إحصاءات حديثة، نصيب الفرد السنوي من الكهرباء في اليمن 190 كيلووات ساعة مقابل 9200 كيلووات ساعة في السعودية ، ومقابل 1900 كيلوات في الاردن و 2670 كيلوات ساعة كمتوسط عالمي.. تخيلوا نصيب الفرد اليمني من الكهرباء باليوم يساوي “نصف” كيلو وات ساعة ، يحتسب جزء منها في اضاءة الشوارع والاماكن العامة، ويدخل فيها نسبة 30% الفاقد في الشبكة المتهالكة. متوسط استهلاك الفرد باليمن من المياه 23 لتر باليوم.. شبكة الخدمات بما فيها الطرقات متهالكة..
سعر وحدة الكهرباء المباعة حاليا في اليمن، علي سبيل المثال في تعز ، تساوي عشرة أضعاف سعرها العالمي .. السعر العالمي لإنتاج الكهرباء كمتوسط يقع عند 12 كيلوات ساعة للدولار الواحد. حسب احصاءات حكومية حديثة، نسبة تسديد فواتير الكهرباء في اليمن عند 52% وخاصة في المدن الساحلية، ونسبة الفاقد في شبكات النقل تتجاوز 30% (حسب احصاءات حكومية بين عامي 2006-2014). كل مدينة وكل محافظة معها نظام منفصل بأسعار الكهرباء وبعض المحافظات أسعار الكهرباء مجانية، والكثير منها بدون كهرباء وخاصة في الأرياف التي يقطنها نحو 70% من السكان.
انتاج الطاقة في معظم دول العالم وصل الى القمة واستقر عندها، وبعض الدول بدأت تصدر الكهرباء الى دول مجاورة، وكثير من الدول المستقرة لم تعد تفكر كيف تنتج طاقة لتغطية الاحتياج المحلي والصناعي او لمقابلة الزيادة في الطلب.. الأنظار الان اتجهت بقوة باتجاه استبدال مصادر الطاقة التقليدية بمصادر طاقة متجددة وبديلة.. حتى تلك الدول التي فيها احتياطيات نفط وغاز تكفي لمئات السنين..
خطة المملكة العربية السعودية لعام 2030 هو الوصول الى 50% من انتاج الطاقة من مصادر بديلة متجددة ونظيفة (حاليا 1%)، الامارات العربية المتحدة خطتها لعام 2050 هو الوصول الى 50% من انتاج الطاقة من المصادر المتجددة (حاليا 7%) ، مصر خطتها لعام 2035 هو الوصول الى 42% من انتاج الطاقة من المصادر المتجددة (حاليا 10%).. الصين ذهبت ابعد من ذلك، خطتها لعام 2060 بان نسبة 100% من الطاقة سيكون طاقة متجددة، وقد وجهت البحوث والميزانيات واصبحت تتربع على عرش دول العالم في هذا المجال .. معظم دول العالم أصدرت خططها الاستراتيجية في هذا الاطار ولا داعي لرصد كل الاستراتيجيات الدولية في هذا المقال القصير، المتوسط العالمي لقطاع انتاج الطاقة يتوقع انه بحلول عام 2040 ستكون 50% من الطاقة العالمية هي من الطاقة المتجددة. ووسط هذا التوجه العالمي، سؤال لابد من الإجابة عليه: اين تقع اليمن؟ اين توجه اليمن في مجال الطاقة؟
اليمن عليها أن لاتسلك نفس المنحنى الذي سلكته الدول سابقا، الذهاب من خلال الطرق التقليدية الى مرحلة الاكتفاء ثم التحول الى الطرق المتجددة والنظيفة، في اليمن يمكن أن تبنى الاستراتيجيات من الان بالذهاب من خلال مشاريع حقيقية باستخدام مصادر الطاقة المتجددة لتغطية العجز، والبلد فيها مصادر قوة لاتملكها كثير من دول العالم كما سنوضح هنا..
علمياً، مشاريع طاقة الرياح تعتبر مجدية اقتصاديا اذا كانت متوسط سرعة الرياح 4 م/ث واكثر .. فيما دراسات مؤكدة أكدت توفر مناطق واسعة في اليمن على الشريط الساحلي الواسع وفي المناطق الغير ساحلية تتجاوز فيها سرعة الرياح 8 م/ث.. مع العلم أن كمية الطاقة المنتجة تتناسب تناسبا طرديا مع مكعب “أس 3” سرعة الرياح ، وهذا يعني على سبيل المثال لو أن محطة رياح تنتج 20 كيلوات ساعة عند سرعة 4 م/ث، نفس المحطة سوف تنتج 8 أضعاف (160 كيلوات ساعة) الطاقة المنتجة في المناطق التي سرعة الرياح فيها 8 م/ث. وهذا يعني أن طاقة الرياح في اليمن لو استغلت بشكل أمثل يمكنها وحدها أن تغطي معظم احتياجات البلد، مع الاخذ بالاعتبار أن السعر العالمي لوحدة الكهرباء المنتجة باستخدام طاقة الرياح أصبح حاليا أقل من إنتاجه من المصادر التقليدية، ولهذا كثير من الدول المتطورة أصبحت تعتمد 20% من طاقتها من طاقة الرياح مثل المانيا والصين وغيرها .. حتى في دول قريبة منا على سبيل المثال في الاردن مع سرعات رياح أقل، تنتج الاردن حوالي 500 ميجاوات (نصف انتاج اليمن حاليا) من طاقة الرياح.
كفاءة الالواح الشمسية ارتفعت من 3% في الثمانينات الى ما يقترب من 30% حاليا.. بطاريات التخزين كمشكلة استراتيجية على مدى عقود سابقة بدأت تتحلحل ، وسوف تنحل معها معظم مشاكل الطاقة والبيئة عالميا و إقليميا..
التطور الاخير والطفرة التي حصلت مؤخراً في علم البطاريات وتخزين الطاقة سيعمل على حل مشكلة عدم انتظام انتاج الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية ( غير متوفرة بالليل) وطاقة الرياح (سرعة الرياح غير منتظمة) .. السيارات الكهربائية التي من المتوقع ان تملأ الاسواق العالمية في السنوات القليلة القادمة ستزيد الحاجة الى الطاقة الكهربائية في جميع الدول لأنها ستستعيض بالشحن الكهربائي عن الوقود ( بترول او ديزل) الذي كان يستخدم سابقا. لكن نقطة مهمة هنا جديرة بالإشارة، أن عملية شحن السيارات الكهربائية ستعمل على تسطيح منحنى الاستهلاك اليومي لكل دولة.. عملية استهلاك الاسرة والقطاع التجاري والصناعي في اليوم ليس منتظما طيلة ساعات اليوم ، هناك اوقات يبلغ الاستهلاك ذروته وهناك اوقات يكون الاستهلاك في أدنى مستوى وعلى الدولة ان توفر كهرباء طبقا لا على ذروة استهلاك، وتفقد مؤسسات الكهرباء نسبة كبيرة من الكهرباء المولدة اثناء ساعات الليل المتأخرة والصباح الباكر، وكل الطرق التقليدية المتوفرة حاليا لاستغلالها مكلفة وذات كفاءة منخفضة.. تشجيع ملاك السيارات الكهربائية على شحن سياراتهم في اوقات غير الذروة سيساعد كثيرا في تسطيح هذا المنحنى بدون تكاليف إضافية.
ثمة ثقب آخر في مجال الطاقة لازال في مرحلة البحث العلمي ولازال قطاع الطاقة والبيئة في انتظاره للإجهاز على مصادر الطاقة التقليدية بشكل شبه كامل، وهو عملية انتاج غاز الهيدروجين من خلال تحلل الماء بطرق اقتصادية مجدية.. ويوم أن تخرج هذه التقنيات الى مرحلة الانتاج سيكون بمقدور كل شخص ان يحصل على وقود الهيدروجين في منزله ومن حنفية الماء.
على مدخل البوابة الشمالية للجامعة الاردنية لوحة كبيرة مكتوب فيها أن كمية الطاقة المنتجة من الطاقة الشمسية داخل الجامعة تساوي 16 ميجاوات ساعة من الالواح الشمسية ، وهذا الرقم يمكن ان يغطي مدينة تعز حاليا والمناطق المجاورة لها لأغراض الإضاءة واخواتها من الاحمال الخفيفة، تكاليف انتاج الوحدة الكهربائية من الواح الطاقة الشمسية رخيص جدا، ودراسات الجدوى الاقتصادية المتواترة تؤكد أن المبلغ الاستثماري يمكن استعادته بين 2 -3 سنوات فقط (وهي ما تسمى في ادارة الانتاج بنقطة التعادل Breakeven point ) . لماذا الجامعات اليمنية لا تنحو هذا المنحى وخاصة ان لديهم مباني كبيرة ومساحات لا باس بها. مشاريع الطاقة الشمسية للجامعات والمدارس والمؤسسات التي لديها مساحة واسعة ومباني عديدة اثبتت كفاءتها وجدواها بشكل رائع، وخاصة عندما يتم ربطها بالشبكة العمومية مباشرة.
هناك نسبة كبيرة من اليمنيين يستخدمون الالواح الشمسية في الاضاءة وعدد بسيط في اغراض أخرى منزلية وتجارية، لكن لا احد في اليمن يستطيع التنبؤ بنسبة المستخدمين وكمية الطاقة المنتجة والمستهلكة في هذا الاطار الا الله سبحانه وتعالى. وذلك بسبب عدم وجود احصاءات حقيقية لدى وزارة الكهرباء والمؤسسات التابعة لها، وهي وحدها المخولة بحصرها ومعرفة احصاءاتها.. أنظمة الطاقة الشمسية المنفصلة يعوقها حجم المبالغ الكبيرة التي تصرف في تخزين الكهرباء وهذا ما يعيق انتشارها في الارياف والمناطق الغير مغطاة بالشبكة العمومية، لكن كثير من الدول سهلت على مواطنيها والمؤسسات الخاصة والعامة بأن شجعتهم على الاستثمار في انظمة الطاقة الشمسية وربطها عبر عدادات بالشبكة العمومية وبيعها على الحكومة بأسعار مشجعة، فيما بعض الدول قدمت قروض ميسرة للمؤسسات للاستثمار في هذا المجال وهذا ما حدث بالفعل في دولة مثل الأردن.
في آخر تشكيلة حكومية قبل حوالي سنتين، كانت وزارة الكهرباء من نصيب إحدى المحافظات النائية، فتم تعيين وزير للكهرباء بتخصص “أداب انجليزي” من هذه المحافظة، ثم في آخر تعديل حكومي قبل أشهر قليلة تم تغييره. كنت في نقاش مع أحد المسئولين حول هذه النقطة فقال لي أن الموضوع إداري بحت، فقلت له من سابع المستحيلات أن ينجح؟ في الحقيقة، المشكلة لا يمكن التعامل معها من خلال تعيين وزير متخصص وفقط ، فهي معقدة بقدر تعقيد هذا البلد في هذه المرحلة.
القطاع الخاص الصناعي والتجاري والخدمي في اليمن يتكبد خسائر كبيرة نتيجة لعدم توفر مصادر طاقة آمنة عبر شبكات الكهرباء العمومية وبدون انقطاع. المستثمر في اليمن عليه أن يضيف للمبلغ الاستثماري 30 % إضافية لشراء وحدات انتاج الطاقة الكهربائية، ويجب عليه بموجبها أن ينشئ ادارة هامة بهذا الخصوص لتشغيل وصيانة معدات انتاج وتوزيع التيار الكهربائي. ماخسرته المؤسسات “الحكومية” فقط في كافة القطاعات من شراء مولدات كهربائية خاصة لكل مؤسسة مع ملحقاتها في آخر عقدين لتغطية العجز في الكهرباء والانقطاعات، يكفي لانشاء محطات كهربائية تنتج 5 اضعاف الانتاج الحالي في الجمهورية اليمنية، ولو أضفنا خسارة القطاع الخاص في شراء مولدات كهرباء منفصلة لوصلنا الى 20 ضعف الانتاج الحالي من الكهرباء. وهذا يوضح كيف أن سوء الادارة يعمل كوارث لايمكن تخيلها. حجم المساعدات والمنح النفطية والدعم الحكومي الذي قدم ولا يزال يقدم لقطاع الكهرباء ينبئك أن مؤسسة الكهرباء ووزارة الكهرباء ثقب كبير ومثلث برمودا يلقف كل شيء وبدون نتائج.. عملية شراء الطاقة من مؤسسات خارجية وسفن على البحار عبث لايمكن أن يقبله أحد ..
المحطات الكهربائية الحالية التي نعتمد عليها في انتاج الكهرباء من المصادر التقليدية معظمها متهالكة وتجاوزت العمر الافتراضي بعقود، باستثناء المحطة الغازية في مارب وبعض الوحدات المتفرقة التي تم انشاؤها مؤخرا في أكثر من مكان وهي بطاقات استيعابية قليلة. نحو 40% من الانتاج الحالي من محطات حرارية تم انشاؤها بالثمانينات من القرن الماضي وبتقنيات قديمة وكفاءات منخفضة. في تقارير حكومية حديثة تشير الى ان نسبة تسديد فواتير الكهرباء في مناطق الحكومة الشرعية 52% فقط، وأن 88% من القطاعات الحكومية لا تسدد فواتير الكهرباء .. انخفضت قدرة التوليد الى النصف خلال الحرب الحالية حتى وصلت الى نحو 1100 ميجاوات وهذا عبر المحطات الرئيسية فقط .. فيما التقديرات أن حجم الانتاج الفعلي ربما يصل الى 4000 ميجاوات اذا اخذنا بالاعتبار الشركات التجارية لإنتاج الطاقة والوحدات التجارية والصناعية المنفصلة وكمية الطاقة الشمسية المتوفرة بشكل بسيط في معظم منازل اليمنيين.
اليمن الدولة الاولى في الشرق الاوسط من حيث عدد الاحواض الحرارية في باطن الارض التي تصلح لإنتاج كهرباء عن طريق محطات حرارية (جيوثيرمال) وبكميات اقتصادية، ممكن أن يصل انتاجها الى كمية الانتاج الحالي المتوفر.. هناك حوالي 8 أحواض جاهزة تمت دراستها جيولوجيا وفنيا، منها على سبيل المثال حوض رصابة في ذمار وحوض السياني – الجندية في تعز وحوض دمت في الضالع وأحواض اخرى في الحديدة وعدن وحضرموت.. وهذا النوع من مصادر الطاقة المتجددة فيما لو انشئ فانه من أرخص انواع الطاقة مطلقا (0.035 دولار للكيلو وات ساعة مقابل 0.08 دولار من الديزل والغاز) رغم الحاجة لتكاليف استثمارية أولية ضخمة التي يحتاجها المشروع عند الانشاء. هذه المحطات وخاصة القريبة من السواحل تعتبر اكثر جدوى اذا ما تم استخدامها مباشرة في محطات تحلية مياه البحار.
الاستثمار في الطاقة المتجددة سيحل معه مشاكل كبيرة من المشاكل الاستراتيجية في اليمن، وعلى رأسها تحلية مياه البحر لتغطية العجز الكبير في مصادر المياه في اليمن. واستخدام مصادر الطاقة الشمسية بشكل مباشر او غير مباشر في محطات التحلية منتشر في كثير من دول العالم وبطريقة فعالة واقتصادية، تتغلب على الاستهلاك المفرط للطاقة في التحلية والاضرار البيئية.. وكذلك بناء على محطات تستخدم طاقة الرياح في المناطق الساحلية للاستفادة منها مباشرة في التحلية.. ومشاريع الطاقة المتجددة أقل المشاريع تضررا من الحروب لأنها تكون موزعة بالقرب من المستهلك في الغالب ومنتشرة بشكل أفقي واسع.. النهوض بقطاع الطاقة باليمن سيعمل على توظيف المئات من المهندسين في تخصصات الطاقة الذين لايجدون أعمالا.
التقارير المتوفرة عن المؤسسات الحكومية المتعلقة بالطاقة، سواء تلك التي صدرت قبل بداية الحرب الحالية او بعدها، ركيكة في الشكل والمضمون ، وفي الغالب يتم اعدادها من قبل غير متخصصين، ولا تصلح كمصدر معلومات موثوقة لبناء الخطط المستقبلية او تسويق مشاريع في مجال الطاقة المتجددة باليمن دوليا. لا يوجد موقع رسمي فيه جميع الاحصاءات المتعلقة بالطاقة وتحديثاتها الدورية .. حتى الابحاث الاكاديمية – رغم ندرتها – تم دفنها في أدراج المركز الوطني المعلومات ومؤسسة السعيد الثقافية والمجلات المحلية، ولا ادري ما المانع من نشرها بكافة محتوياتها أمام العالمين للتعريف بمقومات ومكامن الطاقة في اليمن، ومعظمها حتى لا يوجد ملخص لها على صفحات الانترنت!!
باختصار، لدينا حاليا 1100 ميجاوات من المحطات الرئيسية، 30% تفقد في الشبكة، و 40 % لا تسدد فواتيرها، وربما 15 % تفقد اثناء ساعات غير الذروة، والباقي تسدد رواتب لبعض الموظفين بالمؤسسة .. لدينا مصانع متوسطة وصغيرة كل مصنع لدية وحدات كهربائية مستقلة .. لدينا منازل لديها وحدات طاقة شمسية مستقلة وصغيرة تستخدم في الغالب للإضاءة لا يعلم احصاءاتها الا الله .
تحتاج البلد الى تدارك الوضع ووضع سياسات مجدولة في مجال الطاقة، تهتم بها وتشرف عليها أعلى مؤسسات الحكم باليمن.. تحتاج اليمن الى انشاء وزارة خاصة بالطاقة المتجددة توفر لها كافة الميزانيات اللازمة، وتوجه السياسات الخارجية للدولة الى البحث عن مشاريع استراتيجية ومنح وقروض لدعم هذا القطاع الهام. الى جانب وزارة الكهرباء الحالية، والتي تتكفل بأنشاء شبكة كهرباء حديثة متكاملة والعمل على رفع الانتاجية من محطات التوليد الحالية و إعادة عمرة لبعضها المتهالكة، وتخفيض الفاقد الى أدنى مستوياتها ، ورفع كفاءة تحصيل الفواتير الى نسبة عالية.. هذه محددات عاجلة كي يقف هبوط منحى الطاقة في القاع ثم يبدأ في الصعود ولو بشكل بطيء.
ثلاثة محاور رئيسية في مجالات الطاقة المتجددة في اليمن، تشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحرارية من باطن الارض، وهي مصادر موثوقة ومجربة، وبقليل من الادارة الصحيحة ستغطي حاجة اليمن من كل احتياجاتها من الطاقة. وهناك أيضا فرصة انتاج الطاقة من المخلفات.
في الجانب الاكاديمي، هي فرصة للجامعات بافتتاح برامج هندسية تختص بالطاقة والطاقة المتجددة في كثير من الجامعات الحكومية والخاصة، طالما وكل المؤشرات تقول أن العقود الاربعة القادمة، عالميا وإقليميا ومحليا، موجهة في هذا الاتجاه.. المهندسون في التخصصات القريبة من الطاقة مثل الهندسة الكهربائية والميكانيكية والالكترونية والتحكم والميكاترونيك والصناعية وغيرها يفضل أن يوجهوا أبحاثهم ودراستهم العليا في هذا الجانب كل بما يخص تخصصه، فالمستقبل هنا ذو قيمة.. حتى تخصصات الحاسوب وتقنية المعلومات فإن معظم مشاكل الطاقة واستراتيجيات اتخاذ القرار فيها تحتاج الى الذكاء الصناعي ومبادئ تعليم الالة وانترنت الاشياء والتكنولوجيا وغيرها من تقنيات النمذجة والمحاكاة ..
ثمة عوامل عديدة ضرورية للنهوض يقع في مقدمتها الاستقرار السياسي، والإرادة السياسية، والأداء الحكومي المثالي، والاستخدام الامثل للتكنولوجيا الحديثة وهي كلها غير متوفرة في وضعنا الحالي، ولذلك لا تتفاءلوا .. نصيب المواطن اليمني من الطاقة ومن المياه ومن الثروة ومن التعليم ومن الأمن ومن العدل عوامل مترابطة لا يمكن أن تصعد الا مع بعضها أو تبقى مع بعضها، ونحن غير مهيؤون لذلك في وقتنا الحالي ….
*استاذ مشارك في كلية الهندسة جامعة تعز