الرئيسية / الطاقة المتجددة / مستقبل الطاقة والكهرباء (1)
سيارة تعمل بالكهرباء
سيارة تعمل بالكهرباء

مستقبل الطاقة والكهرباء (1)

عالم البطاريات والسيارات الكهربائية 

أ.م. د. مختار علي العمراني*

ربما ان الربع الاول من القرن الواحد والعشرين سوف يسجل أعظم اختراع على الاطلاق خلال هذه الفترة وهو بطاريات الليثيوم بأنواعها، حيث أن ما حدث من اختراق في السنوات القليلة الماضية في هذا الجانب سيغير شكل الحياة واقتصاديات العالم في العقود القادمة، اذ يتوقع الباحثون انه حتى عام 2050 ستكون 60% من السيارات والمركبات والمحركات بالعالم قد تحولت كلها الى سيارات كهربائية، وأن حوالي 1 مليار سيارة كهربائية ستكون متواجدة في السوق في عام 2060 وأن وزن السيارات سيخف والاداء سوف يرتفع والبيئة ستكون أنظف.

على المستوى العالمي، فإن قطاع الطاقة يعاني من عدة معضلات تقع على رأسها مشاكلها البيئية حيث أن قطاع صناعة الطاقة يشارك بما نسبته 40% من التلوث العالمي ومثل هذه النسبة من عمليات استخدام الطاقة وتطبيقاتها، ثم تأتي بعد ذلك مشكلة تخزين الطاقة وهي مشكلة كبيرة لازالت تشكل صداع مزمن للعلماء منذ نحو قرن من الزمان.

عملية إنتاج الطاقة أصبحت في متناول الأيدي ولم تعد مشكلة عالمية، فلقد ابتكر العلماء العشرات من طرق انتاج الطاقة التقليدية والنظيفة، وأصبحت الشركات العالمية قادرة على انتاج 20 وحدة كهربائية بدولار أمريكي واحد فقط ( 20 kWh) وهذا يعني انه بإمكاننا انتاج 80 وحدة كهربائية بسعر كوب من القهوة من براند مثل “ستاربوكس” على سبيل المثال.. الطاقة المتجددة والنظيفة داخلة بقوة بهذا المجال وخاصة طاقة الرياح و الطاقة الهيدروليكية من السدود والجيولوجية والنووية كلها على رأس أرخص أنواع الطاقة.

أكبر عائق وقف أمام تسارع انتشار الطاقة المتجددة بكافة امتيازاتها ومصادرها التي لا تنضب وهي أنها متقطعة وتحتاج الى تخزينها خلال فترات مختلفة قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى. فعلى سبيل المثال لإنتاج وحدة واحدة (1 kWh) من الكهرباء بالطاقة الشمسية نحتاج الى 40 لوح شمسي، ولكي نخزن هذه الكهرباء الى المساء نحتاج نظام بطاريات تقليدي ( بطاريات الاسيد – الرصاص التقليدية) الى ضعفي هذا المبلغ لشراء البطاريات. وظل التطور في الطاقة الشمية مبتورا لعدم توفر وسائل لتخزين الطاقة الى حين الحاجة اليها..

بين عامي 2010 وحتى 2022 تعمق العلماء في ابحاث صناعة البطاريات وبذلت الحكومات مليارات الدولارات كميزانيات لهذه المشاريع، وتم نشر اكثر من 32 الف بحث خلال هذه الفترة بما يخص تخزين الطاقة بالبطاريات فقط في مجلات مصنفة ضمن الاسكوباس.. كانت الفجوة كبيرة جدا، ولم يترك العلماء أي مادة من مواد الطبيعة الا وادخلوها في صناعة البطاريات ضمن مركبات متعددة. حتى خرجوا لنا ببطارية الليثيوم ايون والليثيوم أير وانواع اخرى من البطاريات . انخفض سعر تخزين الوحدة الواحدة من حوالي $3 في عام 2010 الى حوالي $0.1 عام 2020 لكل وحدة كهربائية. انخفض سعر منظومة التخزين من %1200 للوحدة الواحدة في عام 2010 الى $120 للوحدة الواحدة عام 2022. وهذا يعني انه بإمكاننا الان ان نشتري منظومة بطاريات متكاملة بسعر $2500 دولار امريكي تستطيع تخزين 20 وحدة كهربائية بالشحن الواحدة ويمكنها ان تخزن وتفرغ لأكثر من 5000 دورة، وستنخفض هذه الاسعار مع الوقت طالما والابحاث مستمرة.

مؤخرا سمعنا شركة تسلا تتفاخر بانها صنعت بطارية وزنها 150 كجم وتخزن 20 وحدة كهربائية ( 20 kWh) ويمكن شحنها وتفريغها لأكثر من 5000 مرة .. هذه البطارية سوف تركب على السيارات ويتم الاستغناء عن المحرك الميكانيكي بكافة تفاصيله والشحن الواحد يكفي السيارة لتمشي 200 كم. أعيدوا قراءة هذه العبارة السابقة لتدركوا حجم الاختراق العلمي الذي حدث، حيث كان قبل 10 سنوات من الان كان يمكن تخزين هذه السعة في بطاريات وزنها حوالي 3 طن وكان من المستحيل استخدمها في السيارات.

واجهت العلماء مشاكل كانت تعيدهم الى نقطة الصفر، قبل سنوات – ربما في عام 2015 – ظهر للعلن أن بطاريات الليثيوم تنفجر بعضها، وشكلت هذه الظاهرة كارثة في مسار العلماء وشركات الطاقة العالمية، أوقفت شركات الطيران والصناعات الخطيرة كل ابحاثها في مجال بطاريات الليثيوم ، ثم أخذ العلماء أنفاسهم وتغلبوا على هذه المشكلة من خلال تحسين العوازل بين الأقطاب.. عندما حاولوا يصنعوا البطاريات بسعات كبيرة واجهوا ان البطارية ترتفع حرارتها بشكل ملحوظ وتنخفض كفاءتها بشكل أسي و محبط. ولكن هذا الكم الهائل من مراكز الابحاث والميزانيات الضخمة تغلبوا على كل هذه المشاكل أيضا. ولازالت تواجه هذه الصناعة عقبات جسام من أهمها ان عنصر الليثيوم تواجده في الطبيعية قليل جدا وهو يشكل 10% من وزن هذه البطاريات، والعالم يريد أن يصنع مليار سيارة كهربائية في العقود الثلاثة القادمة. لازال السعر الحالي للبطاريات يمثل عائقا ويحتاج تخفيضه خمس اضعاف حتى يكون سعر التخزين هو الارخص عالميا، عند مائة دولار امريكي لكل وحدة كهربائية واحدة ($100/kwh.).

خلال خمس الى عشر سنوات من الان ستكون بطاريات الليثيوم متواجدة باليمن وسنكون نعبي الكهرباء في بطاريات تشحن وتفرغ مثلها مثل دبات الغاز بالضبط .. سيكون بمقدور الواحد منا ان يشحن بطاريته للاستخدام المنزلي لمدة تتراوح بين 15 الى 30 يوم للشحنة الواحدة وستصل الكهرباء المخزنة الى جميع الارياف والصحاري باليمن حتى ولو لم تتواجد شبكة كهربائية، وحتى وان تواجدت الشبكة الكهربائية فان مشاكل الانقطاعات ستنتهي، وبالتأكيد ستزدهر الطاقة المتجددة معها و ستنحل معظم مشاكلها.

السيارات الكهربائية أصبحت متواجدة بالفعل بالسوق حاليا ومعظم السيارات الحديثة مزودة بنظامي ميكانيكي وبطاريات، وقبل أسابيع قرأت اعلان في مدينة عمان الاردن انه يوجد 40 نقظه مختلفة لشحن البطاريات الكهربائية ، احداها بالقرب من المنزل الذي اسكنه وارى السيارات الكهربائية تشحن فيها باستمرار.. الارتفاع السنوي في استخدام السيارات الكهربائية لن يكون بشكل خطي مع منحنى الزمن بل سيكون ربما منحى أسي او (Tanx) أو ربما يأخذ له منحى آخر أكثر حدية ، لكن ما هو مفروغ منه بدون أي شك ان السيارات الكهربائية أصبحت واقع، وان العلماء والمراكز البحثية والجامعات وشركات الطاقة وجميع شركات السيارات والمحركات يضعون اللمسات الاخيرة، وسنسمع في السنوات القادمة أن كل الشركات أصبحت تصنعها.. مع الأيام ستوفر البوفيهات  والقهاوي خدمات الشحن للسيارات الكهربائية وستنتشر خدمات الشحن في أرجاء المعمورة، وعلى مراكز الخدمات والصيانة ان تعد نفسها لهذا التغير الكبير.

تخسر الدول نحو ثلث طاقتها المولدة عالميا كفاقد بسبب أن منحنى استهلاك الكهرباء اليومي له أوقات ذروة وله أوقات لا تستخدم حتى نصف الكهرباء المنتجة بسبب عدم وجود أنظمة تخزين طاقة بسعات ضخمة .. ما كان يتم استخدامه هو عملية تحويل الطاقة الفائضة الى شكل اخر من أشكال الطاقة مثل الهيدروليكية او عملية ضغط الهواء داخل خزانات ضخمه وتفريغه في وقت الذروة وغيرها من الطرق التقليدية التي كانت تخسرنا نسبة كبيرة من الطاقة المولدة.. ربما أن الاختراق الذي حدث في بطاريات الليثيوم هو من سيحل مشكلة تخزين الطاقة الكهربائية في أوقات غير الحاجة لها ، والعلماء و مراكز الأبحاث العالمية مواصلون في هذا الاطار وسيصلون.

كمتخصص في الهندسة الميكانيكية (إحدى التخصصات الهندسية التقليدية منذ الثورة الصناعية الاولى) أحيانا أصاب بالرعب أمام ما يحدث من تغيرات، واذا لم احدث معلوماتي باستمرار و أواصل البحث العلمي سوف انتهي علميا، أين سيكون موضعنا أمام هذا العالم الذي يتحرك بسرعة، ولذلك أعدكم بإذن الله بمقال قادم عن التخصصات الهندسية الواعدة للمستقبل، وما هو الواجب أن تكون عليه الخطط الدراسية لكافة التخصصات الهندسية حتى نستطيع أن نواكب العالم، وماهي مواصفات المهندس الحديث؟ ثم مقال أخر عن البروجريس العالمي في عملية انتاج الطاقة بكافة تفاصيلها النظيفة والتقليدية واتجاهات العالم في هذا المجال ، ومستقبل الطاقة في اليمن ومكامن قوتها وضعفها.

ما أعظم العلم عندما يحل مشاكلنا بشكل جذري..

*استاذ مشارك في كلية الهندسة جامعة تعز

شاهد أيضاً

53373094409_b37bb45917_c

مخرجات قمة المناخ ودور منظمات المجتمع المدني اليمنية والعربية في COP28

  أثمر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ بدورته الثامنة والعشرين (COP28)، والذي …