الرئيسية / الصحة و السكان / فيروس كورونا (كوفيد-19) علامة لمشكلة أكبر هي إعتلال صحة كوكبنا.
Earth, Coronavirus, Covid-19, World, Hygiene, Pandemic
Earth, Coronavirus, Covid-19, World, Hygiene, Pandemic

فيروس كورونا (كوفيد-19) علامة لمشكلة أكبر هي إعتلال صحة كوكبنا.

بقلم : إنجر أنديرسن و جون روكستروم

يمن ساينس | ترجمة خاصة: فوزي المنتصر

 

يعتبر تفشي كوفيدا مأساة عالمية، حصدت أرواح مئات الآلاف، وأدت إلى انهيار أنظمة الرعاية الصحية، ويشهد ملايين البشر، ممن تدمرت سبل عيشهم، مستقبل مجهول. والتركيز المتسارع على إنقاذ الأرواح في ظل الوضع الحالي صائبا تماما. وبقدر ذلك النشاط والهمة التي نبذل فيها ما بوسعنا لحماية الصحة العامة، يجب ألا نُطمئن أنفسنا باحتواء الأزمة الخطيرة. ويجب علينا-إزاء ذلك-أيضًا أن نتطلع إلى ما يمكننا تعلمه من هذه الأزمة، وذلك تجنبًا للمخاطر المستقبلية. فكوفيدا-19 هو بمثابة رسالة تذكيرية أوضحت مدى ضعف وهشاشة مجتمعاتنا الحديثة المتقدمة تكنولوجياً، فضلا عن المجتمعات المتدنية.
والدرس الأكبر أن كوفيدا-19 هو أكبر من أن يكون مجرد وباء، وهو إيماء لوجود اضطرابات وعلل في كوكبنا. وقد نتج عن العلاقات المختلة البشرية مع الطبيعة انتشار هذا المرض الذي لم يوقفه حدود. وفهم هذا السبب الجذري أمر بالغ الأهمية، إذا أردنا أن نكون أهلًا لمواجهة هذا التحدي بعد الأزمة بشكل منيع. إذ أن كوفيدا 19 هو فيروس حيواني -يعني أنه ينتقل من الحيوانات البرية إلى البشر -وتطوره إلى وباء، يعود لمزيج من المخاطر الراسخة حاليًا في القرن الحادي والعشرين: تدمير النظام البيئي، وانقراض الكائنات الحية، وظاهرة الاحتباس الحراري، وكذلك تداخل السلوك البشري المحفوف بالمخاطر، مثل التجارة غير المشروعة في الحياة البرية (أي التجارة غير القانونية في الحيوانات البرية). وحدث كل هذا وذاك، في ظل تجارة وسفريات عالمية.
كوفيدا-19 ليست حالة أو ظرف استثنائية، إذ تشير الأبحاث إلى أن 60٪ من جميع الأمراض المعدية المعروفة لدى البشر وأن 75٪ من جميع الأمراض المعدية الناشئة (أمراض معدية ارتفعت معدلات الإصابة بها خلال العشرين عامًا الماضية)، كلاهما أمراض مصدرها الحيوانات. فعندما ننتقل إلى الموائل الطبيعية التي تعيش فيها الكائنات الحية، ونستغل المزيد من الحيوانات البرية، يزداد الاتصال بين البشر والكائنات الحاملة للمرض.
ولا تعد الأمراض حيوانية المنشأ العلامة الوحيدة التي تدل على ضعف صحة الكواكب. فتغير المناخ هو أزمة أكثر خطورة من ذلك، ومن المحتمل أن يشكل مخاطر وجودية للأجيال القادمة، وقد سبق لها بالفعل أن أثرت تأثيرا على الملايين على مستوى العالم، على سبيل المثال، الظواهر الجوية المتطرفة، مثل الأعاصير والفيضانات. والتغيرات المناخية لها تأثير مضاعف، تؤدي إلى مشاكل أخرى، بدء باستقرار النظام البيئي، ومرورًا بإنتاج الغذاء وانتهاءً بالصراع البشري. إذ يهدد فقدان النظام البيئي والتنوع البيولوجي قدرة الكوكب على توفير السلع والخدمات -على سبيل المثال، يعطلا أنماط الطقس ودورة المياه ويساهما في تغير المناخ ويدمرا موائل الكائنات الحية الهامة. وتعمل المواد الكيميائية والنفايات على تلوث الهواء والتربة والمياه وتقتل الملايين كل عام.
وتوضح جميع هذه العلامات أن صحة الكوكب، يلي ذلك صحتنا، تتدهورا بسرعة. والطبيعة مثلها مثل الإنسان تماما، يمكن أن تأخذ الكثير قبل أن تصل الأشياء إلى نقطة الانهيار. نعرف منذ فترة طويلة أننا نواجه أزمة مناخية وأزمة بيئية. ونحن الآن في خضم أزمة أخرى، جائحة طبقات بعضها فوق بعض. ولا يكفي التركيز فقط على الاسترداد أو التعافي الاقتصادي بعد السيطرة عليها. وبناء مرونة ترتكز على نهج نظام شامل أمرُ أساسي. وهذا يعني أن حماية مجتمعاتنا العالمية وإدارتها المستدامة -مثل الغلاف الجوي والتنوع الغني للأنواع النباتية والحيوانية في الأرض -يجب أن تحتل مركز الصدارة في تحديد الأولويات التي تقوم بها مجتمعاتنا.
إذ كان من المفترض أن يكون هذا العام “عامًا رائعًا للطبيعة” – حيث كان من المقرر أن يوافق العالم على خطة عالمية لحماية واستعادة التنوع البيولوجي لما بعد عام 2020. وكان من المقرر أيضا أن يعقد اجتماع المناخ العالمي القادم في غلاسكو، مع الحلول الطبيعية، على أن يكون تغيير المناخ قضية رئيسية للمناقشة وتتوقع البلدان خلال هذا الاجتماع أن تقترح التزامات جديدة لخفض انبعاثاتها، وذلك بما يتماشى مع اتفاقية باريس. وكان من المقرر أيضا أن يضع المجتمع الدولي إطارًا من أجل تحسين إدارة المواد الكيميائية والنفايات.
وقد جعلت جائحة كوفيدا-19 الأمر جليًّا، بأنه يجب علينا أن نُسلِّم بهذه الأجندة المذكورة آنفًا، باعتبارها الوسيلة لتشكيل مخطط لمستقبل اقتصادي واجتماعي، واضعًا الطبيعة في كل شيء يتم التخطيط له أو إنشاه، بدءٍ من المنازل، والمدن، وانتهاءٍ بأنظمة الطعام. ولكن لا يمكننا معالجة الشواغل العالمية المشتركة بشكل فعال، مثل البيئة، بشكل فردي. وقد أثبت انتشار هذا الفيروس للأبد أنه في ظل العولمة، لا توجد مشاكل محلية -فالتلوث وما تعرف بمسببات الأمراض لا حدود لها. وفي مواجهة الآثار متعددة الأوجه لكوفيدا-19، يجب أن تتطور تعددية الأطراف. وتحتاج الحكومات والشركات والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والعلماء والمواطنون الأفراد إلى الاتحاد كمجتمع عالمي واحد لحماية الناس من المخاطر التي يمكن تجنبها.
وما بعد كوفيدا، ستختلف الأمور. ويمكن للحياة أن تكون أحسن مما كانت. وكان لدينا لحظة للتفكير والتأمل. ولربما لا نحتاج إلى الكثير من الأشياء كما اعتقدنا حينها. ولربما يمكننا أن نملأ حياتنا بعلاقات قريبة جدا، وبلحظات لا تُنسى وبصورة إبداعية. وربما ندرك ما له الحسبان حقًا في حياتنا: أن نكون آمنين وأحرارًا. وعندما نتغلب على كوفيدا-19، ينبغي ألا نجازف بما نجونا منه. وينبغي أن نفعل ما في وسعنا لتحقيق الاستقرار في بيئتنا، ونظام دعمنا. ونحن بحاجة إلى التفكير في كيفية استعادة الطبيعة، وذلك بعيشها بشكل مختلف.
والشيء الذي بات واضحا، لا يمكننا فقط تطوير لقاح لكوفيدا-19، ونطلق على هذه العملية “تمت المهمة” وإعادة دورات المحركات الاقتصادية إلى اللون الأحمر، فنحن بحاجة إلى استخدام إعادة التشغيل لتحفيز الابتكار المستدام والاستثمار الأخضر. فالاعتمادات والإعانات التي تقدمها العديد من الحكومات بسخاء في هذه اللحظة ليست مجرد ضرورة -بل هي أيضًا فرصة لتوجيه التقدم الاقتصادي نحو التنمية المستدامة. وهذه هي سياسية تأمينية مهمة لتجنب الأوبئة المستقبلية.
ولتحقيق الاستقرار المناخي، لدينا اتفاقية باريس بشأن الحفاظ على درجة الحرارة العالمية من الارتفاع بأكثر من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وهذا يترجم إلى تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى صفر بحلول عام 2050. بالنسبة للتنوع البيولوجي واستقرار النظام البيئي، فنحن بحاجة إلى هدف ملزم مماثل لوقف فقدان التنوع البيولوجي. إذ أن تحديد الأهداف وحدها لا تؤدي المهمة، بل يجب على الحكومات أن تعمل بجد لتحقيقها وتطبيقها على أرض الواقع. وبذلك، سيكون لدينا نافذة مهمة في الوقت الحالي، بفضل برامج الإنقاذ وحزم التحفيز المالي الناشئة عن أزمة كوفيدا-19. واقتران الأهداف القائمة على العلم بشأن المناخ والطبيعة بآليات التعافي هذه تعد استراتيجية رئيسية نحتاج إلى نشرها الآن، للفوز مرتين: فنحن -من جهة ما-نبني الصمود في مواجهة الصدمات المستقبلية ومن جهة أخرى، ننشئ اقتصادات أكثر صحة. لأن الاستثمار في الاستدامة ليس شيئًا نقوم به من أجل الطبيعة أو المناخ، نحن نفعل ذلك من أجلنا نحن كبشر.

 

المصدر: مجلة التايم الأمريكية

شاهد أيضاً

53373094409_b37bb45917_c

مخرجات قمة المناخ ودور منظمات المجتمع المدني اليمنية والعربية في COP28

  أثمر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ بدورته الثامنة والعشرين (COP28)، والذي …