يرى إدوارد سارجنت وزملاؤه أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يُسرّع من وتيرة البحوث المتعلقة بالمواد الفولتضوئية الجديدة، ومواد البطاريات، ومواد احتجاز الكربون.
فيل دي، وجينيفر ويي، ويوشوا بنجيو، وآلان أسبورو جوزيك، وإدوارد سارجنت
العالَم بحاجة إلى المزيد من الطاقة، لذا، تستثمر الحكومات والشركات مليارات الدولارات في تطوير تقنيات لإنتاج الطاقة، وتحويلها، وتخزينها1. ومع اقتراب خلايا السيليكون الشمسية من الوصول إلى حد أدائها الأقصى، يتطلع الباحثون إلى بدائل قائمة على خلايا البيروفسكايت، والنقاط الكمية2. ينبغي أن تصبح البطاريات المخزِّنة للطاقة أرخص ثمنًا، وأكثر كفاءة، وأطول عمرًا3، كما يجب تصنيع الأجهزة من مواد آمنة، ومتاحة بوفرة، مثل النحاس، والنيكل، والكربون، بدلًا من الرصاص، أو البلاتين، أو الذهب.ويجب كذلك أن تُظهِر تحليلات دورات حياة المواد تحسّنًا في البصمات الكربونية، فضلًا عن القدرة على مواءمة حجم التحدي العالمي للطاقة.
تَصْدُر كميات هائلة من البيانات المستقاة من التجارب حول خصائص هذه المواد. فعلى سبيل المثال، يؤوي «المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتكنولوجيا» 65 قاعدة بيانات، يحتوي بعضها على ما قد يصل إلى 67,500 قياس، كما نُشر منذ عام 2010 ما يزيد على 1.7 مليون بحث علمي حول البطاريات والخلايا الشمسية وحدها.
يجب تسريع وتيرة محاولات الربط بين هيكل المادة، ووظيفتها؛ فمساحة البحث واسعة. ولا زال يتم العثور تجريبيًّا على كثير من المواد، حيث تُصنع المواد المُحتملة، وتُختبر عدة عينات منها في المرة الواحدة. وتتعرض عمليات البحث للتحيز البشري، إذ غالبًا ما يركِّز الباحثون على تكوينات قليلة من العناصر، يرونها مثيرة للاهتمام.
يجري العمل حاليًّا على تطوير أساليب حاسوبية، تولِّد الهياكل تلقائيًّا، وتقيِّم ميزاتها الإلكترونية وخصائصها الأخرى4. فعلى سبيل المثال، يستخدم “مشروع المواد” Materials Project حواسيب فائقة؛ للتنبؤ بخواص جميع المواد المعروفة5، وهو الآن يطرح قوائم تحتوي على الخصائص المتوقعة لأكثر من 700 ألف مادة، إلا أن الاحتمال الكبير أنْ تُترجَم هذه البيانات إلى تطبيقات صناعية وتجارية لا يزال أمنية بعيدة المنال.
إن تعلُّم الآلة – بمعنى الخوارزميات التي يتم تدريبها للعثور على أنماط في مجموعات البيانات – قد يُسَرِّع بشكل كبير اكتشاف مواد الطاقة. وقد استُخدم بالفعل للتنبؤ بنتائج عمليات المحاكاة الكمية؛ لتحديد الجزيئات والمواد المحتملة للاستخدام في بطاريات التدفق، والصمامات الثنائية العضوية الباعثة للضوء6، والخلايا الفولتضوئية العضوية، ومحفزات عملية تحويل ثاني أكسيد الكربون7. وتستطيع الخوارزميات التنبؤ بالنتائج في بضع دقائق، بالمقارنة بمئات الساعات التي تستغرقها عمليات المحاكاة.
ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات قائمة. فلا يوجد تمثيل عام لمواد الترميز، كما تتطلب التطبيقات المختلفة خواص مختلفة، مثل تكوين العنصر، والبنية البلورية، والتوصيل. ومن النادر إيجاد بيانات تجريبية منظَّمة بشكل جيد متعلقة بالمواد، كما تعتمد الاختبارات الحاسوبية للفرضيات على افتراضات ونماذج قد تكون غير واقعية في الأوضاع التجريبية.
وعليه، ينبغي أن يزداد التعاون بين مجتمعات تعلُّم الآلة، ومجتمعات علوم الطاقة. ويجب على هذه المجتمعات أن تدرك قدرات واحتياجات بعضها بعضًا. وبناءً عليه، فنحن نطرح التوصيات التالية الصادرة عن ورشة عمل، أدارها «المعهد الكندي للبحوث المتقدمة» في شهر مايو 2017 بمدينة بوسطن في ولاية ماساتشوستس.
قم بمشاركة البيانات المفيدة. ينبغي أن ينظم علماء المواد بياناتهم في نماذج موحدة، وقابلة للقراءة آليًّا، مثل ملفات “القيم المفصولة بفواصل” CSV، التي يشيع استخدامها في تطبيقات جداول البيانات. وفي الوقت الحاضر، تُكثف النتائج أكثر في رسوم بيانية وجداول، وتنظم كل مجموعة بياناتها على نحو مختلف، كما تتنوع ظروف الاختبار، والإطر التجريبية. وتلجأ العديد من الفرق إلى معالجة نطاقاتها الأولية، أو تطبيع بياناتها، وغالبًا ما تتعرض النماذج لحدوث أخطاء بها وتحيزات، في ظل غياب أدلة تجريبية لمعايرة النتائج.
وينبغي على وكالات التمويل الحكومية ودور النشر أن تطالب بتحميل البيانات على قاعدة بيانات متاحة للعامة، مثل “مشروع المواد” Mat¬erials Project، أو نظام حفظ بيانات المواد Materials Data Curation System، أو منصة “سيترينيشن”Citrination 9. ويمكن أن تشترك الاتحادات والجامعات في تحمُّل تكاليف الاحتفاظ بقواعد البيانات هذه؛ مع ذِكر المصدر عند الاستشهاد بها. وفي المقابل، يمكن إنشاء كيان مستقل لحفظ قاعدة بيانات تجريبية، بالطريقة نفسها غالبًا التي تتم بها مشاركة البِنى البلورية للبروتينات حاليًّا في بنك بيانات البروتين Protein Data Bank. ومن المهم تضمين النتائج السلبية، إذ تحتاج خوارزميات تعلُّم الآلة أن يصبح بمقدورها التمييز بين المواد التي تحقق الأهداف المتعلقة بالأداء، وتلك التي لا تفعل.
كما ينبغي تشجيع ثقافة المشاركة في مجتمع علم خواص المادة. فمجتمعات علوم الحاسب الآلي والطب تجني فوائد كثيرة من إتاحتها مجموعات البيانات الضخمة الخاصة بها لتعلُّم الآلة. على سبيل المثال، تستخدم شركة «آي بي إم واطسون هيلث» IBM Watson Health في كامبريدج بولاية ماساتشوستس تعلُّم الآلة من أجل تحسين اكتشاف العقاقير، وعلاجات السرطان.
تشجيع التعاون مع المسابقات. تمثِّل جوائز “التحدي الكبير” وسيلة فعالة من حيث التكلفة، لتعزيز الابتكار. وعلى سبيل المثال، أثمرت مبادرة “إكس برايز” XPRIZE عن تحقيق إنجازات في احتجاز الكربون، واستخدامه، واستكشاف المحيطات، والذكاء الاصطناعي. وقد مُنحت جائزة “أنصاري إكس برايز” Ansari XPRIZE للرحلات شبه المدارية لعام 2004 للمركبة “سبيس شيب وان” SpaceShipOne، وهي أول سفينة فضاء خاصة تخترق الفضاء الخارجي.
وتستخدم منصة “كاجل”Kaggle المسابقات، لتجميع الحلول لمشكلات النمذجة الحاسوبية وعلم البيانات، مثل التنبؤ بنشاط الجزيئات الشبيهة بالعقاقير. كما أن الأحداث التي تقام من نوع “هاكاثون” hackathon المدعوم، الذي تديره شركات مثل “إينجل هاك” AngelHack في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، قد تمكنت من تطوير تطبيقات للشركات، بما في ذلك شركة “ماستركارد” Mastercard.
نحن نقترح عقد مسابقات لتعلّم الآلة، من أجل تشجيع العثور على مواد جديدة للطاقة في مجموعات البيانات المتاحة للعامة، مثل تلك الخاصة بمبادرة مواد الجينوم، أو مبادرة مختبر اكتشاف المواد الجديدة (NOMAD) الأوروبية، أو منصة “سيترينيشن”. سيكون الهدف من وراء ذلك هو التنبؤ بمادةٍ ما لتطبيق أو خاصية معينة. فعلى سبيل المثال، المسامية النانوية هي عامل أساسي لمواد احتجاز الكربون، والفجوة بين النطاقات الإلكترونية هي موصّف مهم للخلايا الشمسية، والصلابة يمكن استخدامها لتطوير مواد مركبة خفيفة الوزن للنقل. كما يمكن لتعلُّم الآلة التعامل مع عدد من الخواص في وقت واحد.
يمكن للمسابقات أن تتم رعايتها من قِبل الأقسام الجامعية، أو المعاهد المدعومة تجاريًّا، مثل «معهد فكتور الكندي للذكاء الاصطناعي» في تورنتو، و«معهد مونتريال لخوارزميات التعلم»، أو «معاهد بحوث شركة تويوتا» الموجودة في الولايات المتحدة. ويمكنها أن تتخذ شكلًا مماثِلًا للعبة طيّ البروتينات على شبكة الإنترنت “فولديت” Foldit، التي يلعبها الناس من أجل متعة الاستكشاف، وأيضًا للتنافس والتفوق على الآخرين. ويمكن إدارة الملكية الفكرية على نسق يشبه “إكس برايز”.
صياغة لغة مشتركة. الكيميائيون، وعلماء الحاسب الآلي، وخبراء تعلم الآلة، ومهندسو المواد، والمبرمجون، والفيزيائيون؛ كلٌّ له مجال تخصص، ونظام تسمية خاص به، فمثلًا، تجد أن مهندسي المواد ماهرون في تصنيع المواد من تركيبات متنوعة، وسيحتاج باحثو تعلُّم الآلة أن يفهموا هذه التفاصيل الدقيقة؛ كي يتمكنوا من التنبؤ بالمواد التي لها استخدام عملي.
نحن نقترح أن تنظم الجامعات ورشات عمل، وفصولًا صيفية، وأن تضع مناهج تربط بين هذه المجالات. هناك فصول صيفية تُدَرِّس بالفعل الكيمياء الحاسوبية التقليدية، وتعلُّم الآلة لتطبيقات علوم الحاسب الآلي، لكنّ قليلًا من هذه البرامج ما يجمع بين الاثنين. ويجب إنشاء المزيد من المنتديات لأغراض التدريب، مثل برنامج “فَهْم الأنظمة كثيرة الجزيئيات، من خلال تعلُّم الآلة” Understanding Many-Particle Systems with Machine Learning، الذي يديره «معهد الرياضيات البحتة والتطبيقية» في لوس أنجيليس بكاليفورنيا.
سَرِّع الأمور، واجعلها تعمل آليًّا. إن استكشاف مواد الطاقة، كونه مجال بحثي سريع التطور، فهو يشكل منصة اختبار مثالية لتقنيات تعلُّم الآلة المتقدمة. يَفترِض تعلُّم الآلة وجود مجموعة تدريبية ثابتة؛ فعلى سبيل المثال، يتم تدريب روبوتات السيارات ذاتية القيادة على القيادة باستخدام صور وفيديوهات للطرق، لكن ذلك قد يتسم بالبطء، كما يصعب تكرار النتائج، أو هي تختلف من مستخدِم إلى آخر. وعلى النقيض، يتغير مشهد البيانات الخاصة بمواد الطاقة باستمرار مع ظهور معلومات ونماذج جديدة. وهنا، يصبح المجال المتنامي الخاص بالتعليم المعزز العميق مفيدًا، حيث يَستكشف المستخدمون فيه العناصر البيئة المتغيرة من حولهم؛ لإيجاد أفضل الحلول. ومن شأن تطبيق هذه الخوارزميات على عمليات استكشاف المواد أن يجعل عمليات البحث – تدريجيًّا – أكثر كفاءة، وسيسمح للمتعلم أن يستكشف فضاء الجزئيات، مثلما يفعل الكيميائيون.
ماذا بعد؟
إن تطوير أساليب تعلُّم الآلة يشكل أحد أهم أهداف “تحدي ابتكار مواد الطاقة النظيفة”، الذي يديره التعاون العالمي “ميشن إنوفيشن” Mission Innovation. يموَّل التعاون من قِبَل تعهدات حكومية طوعية، ويجب أن تلتزم الدول بتعهداتها بضخ الاستثمارات اللازمة.
والخلاصة هي أن هناك حاجة إلى مزيد من الاستثمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وبحوث المواد القائمة على علم الروبوتات حول العالم. وتجب إتاحة المزيد من البيانات للأشخاص القائمين على برمجة الروبوتات، كما يجب أن يتواصل القائمون على التجارب، وخبراء الروبوتات، ومصممو الخوارزميات، ويتعاونوا أكثر؛ من أجل تسهيل عملية اكتشاف الأخطاء وإصلاحها.
إن الوقت يقترب على الانتهاء، قبل أن نصل إلى تقنيات الطاقة الجديدة التي يحتاجها العالَم.
References
-
Bernstein, A. et al. Nature 538, 30 (2016). | article
Chu, S., Cui, Y. & Liu, N. Nature Mater. 16, 16–22 (2016).
| article
Huskinson, B. et al. Nature 505, 195–198 (2014).
| article
Curtarolo, S. et al. Nature Mater. 12, 191–201 (2013).
| article
Jain, A. et al. APL Mater. 1, 11002 (2013) | article
Gómez-Bombarelli, R. et al. Nature Mater. 15, 1120–1127 (2016).
| article
Liu, M. et al. Nature 537, 382–386 (2016).
| article
Ji, H. & Jung, Y. J. Chem. Phys. 146, 064103 (2017).
| article
O’Mara, J., Meredig, B., & Michel, K. J. Miner. Met. Mater. Soc. 68, 2031–2034 (2016).
| article
-
فيل دي لونا طالب دراسات عليا في قسم علم خواص المادة وهندستها في جامعة تورنتو، كندا. جينيفر ويي طالبة دراسات عليا في قسم الكيمياء والأحياء الكيميائية، جامعة هارفارد، كامبريدج، ماساتشوستش، الولايات المتحدة الأمريكية. يوشوا بنجيوأستاذ في معهد مونتريال لخوارزميات التعلم (MILA)، قسم علوم الحاسب الآلي وبحوث العمليات، جامعة مونتريال، كندا. آلان أسبورو جوزيك أستاذ بقسم الكيمياء والأحياء الكيميائية، جامعة هارفارد، كامبريدج، ماساتشوستش، الولايات المتحدة الأمريكية. إدوارد سارجنت أستاذ في قسم الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسوب، جامعة تورنتو، كندا.
البريد الإلكتروني: ted.sargent@utoronto.ca؛ و alan@aspuru.com