الرئيسية / العلوم و التكنواوجيا / عالَمٌ يخلو من السببية
Print

عالَمٌ يخلو من السببية

عالَمٌ يخلو من السببية
تجارب على السببية الكَمِّية تتحدى المنطق، وتزلزِل مفهوم الزمن ذاته.
فيليب بول
يَخرُج ألبرت أينشتاين للقيام بجولة التمشية اليومية، وعليه أن يجتاز بابين. يمر من الباب الأخضر أولًا، ثم من الباب الأحمر، أم تراه مَرَّ من الباب الأحمر أولًا، ثم الأخضر؟ لا بد أنه فعل هذا الأمر، أو ذاك؛ فلا بد وأن الأحداث قد وقعت بتتابع محدد، أليس كذلك؟ لكن الأمر لن يكون كذلك، لو كان أينشتاين يمتطي أحد الفوتونات المتقافِزة في أرجاء مختبر فيليب فالتر بجامعة فيينا. فقد أثبتت مجموعة “فالتر” البحثية أنه من المستحيل الجَزْم بالترتيب الذي تجتاز فيه هذه الفوتونات زوجًا من البوابات وهي تندفع في أرجاء المختبر. وليس ذلك بسبب أن هذه المعلومة مفقودة، أو غير واضحة، وإنما هي – ببساطة – غير موجودة؛ ففي تجارب “فالتر” لا وجود لأي ترتيب محدد للأحداث.
هذه النتيجة1 التي جرى التوصل إليها في عام 2015 جعلت العالم الكَمِّي يبدو أكثر غرابة مما كان يظنه العلماء. وتقوِّض تجارب “فالتر” مفهوم السببية؛ أي فكرة أنّ أحد الأشياء يؤدي إلى شيء آخر، إذ يبدو الأمر وكأنّ الفيزيائيين زعزعوا مفهوم الزمن ذاته؛ بحيث يبدو وكأنه يسير في اتجاهين في الوقت عينه.
في لغتنا اليومية المعتادة، يبدو هذا القول عبثيًّا، لكنْ داخل الصياغة الرياضية لميكانيكا الكَمّ، يَظهر الغموض الذي يكتنف السببية بطريقة منطقية ومتسقة تمامًا. وعن طريق بناء منظومات تفتقر إلى تدفق واضح للسبب والنتيجة2يعتقد الباحثون الآن أن بوسعهم الوصول إلى عالَم ثري من الاحتمالات، ويقترح البعض أن بإمكانهم تعضيد الإمكانات الهائلة بالفعل للحوسبة الكمية. ويقول جيوليو تشيريبيلا، الباحث النظري في ميكانيكا الكم بجامعة هونج كونج: “ربما يستطيع الحاسب الكَمِّي المتحرر من قيود أي بِنْية سببية محددة مسبقًا أن يحل بعض المشكلات أسرع من الحواسيب الكمية التقليدية”.
وإضافة إلى ذلك.. فإن التفكير في “البِنْية السببية” لميكانيكا الكَمّ – أي تحديد أيِّ الأحداث تسبق غيرها، أو تتبعها – ربما يتضح أنه أكثر إفادة، وفي النهاية أكثر توافقًا مع الحدس، من صياغة الأمر باللغة التقليدية المحيِّرة للعقل، التي تصف الفوتونات بأنها موجات وجسيمات في الوقت عينه، أو تصف الأحداث بأنها غير واضحة بفعل غيمة من عدم اليقين.
وبما أن السببية تتعلق في حقيقتها بالكيفية التي تؤثر بها الأجسام بعضها في بعض عبر الزمان والمكان، فبمقدور هذا النهج الجديد أن يهيئ الخطوات الأولى نحو توحيد النظريتين المحوريتين في الفيزياء، وحَلّ واحدٍ من أعمق التحديات العلمية التي تواجهنا اليوم. “توجد السببية عند الحد الفاصل بين ميكانيكا الكَمّ والنسبية العامة”، هكذا يقول كاسلاف بروكنر، زميل فالتر، والباحث النظري في معهد البصريات الكمية والمعلومات الكمية في فيينا، ويضيف: “ومن ثمَّ، فباستطاعتها أن تساعدنا في التفكير بشأن الكيفية التي يمكننا بها دمج هاتين النظريتين من الناحية التصورية”.

تشابكات زمنية

ما برحت السببية قضية أساسية في ميكانيكا الكَمّ منذ منتصف ثلاثينيات القرن العشرين، حين تحدى أينشتاين العشوائية الظاهرية التي غرسها نيلز بور، وفيرنر هايزنبرج في قلب النظرية الكمية. فقد شدد تفسير كوبنهاجن – الذي تبنّاه كل من هايزنبرج، وبور – على أن نتيجة أي عملية قياس كمية – مثل التحقق من اتجاه مستوى استقطاب أحد الفوتونات – تتحدد بشكل عشوائي، وفي اللحظة عينها التي يحدث فيها القياس فحسب. ولا يوجد سبب يمكن تقديمه لتفسير تلك النتيجة بعينها، لكن في عام 1935، وصف أينشتاين وزميلاه الشابان، بوريس بودولسكي، وناثان روزِن (يشار الآن إلى أسماء ثلاثتهم بالاختصار EPR)، تجربةً فكرية دفعت تفسير بور نحو نتيجة مستحيلة في ظاهرها.
تتضمن تجربة الثلاثي أينشتاين وبودولسكي وروزِنجسيمين، A وB، لهما خصائص متداخلة، أو “متشابكة”. فعلى سبيل المثال، لو كان للجسيم A لف مغزلي متجه إلى أعلى (وهي ببساطة خاصية كمية يمكن تصويرها على أنها تشبه اتجاه القضيب المغناطيسي إلى حد ما)، حينئذٍ يكون اتجاه اللف المغزلي للجسيم B إلى الأسفل، والعكس صحيح.
كلا زوجَي الاتجاهات ممكن، لكن باستطاعة الباحثين اكتشاف الاتجاه الفعلي فقط حين يُجْرُون عملية القياس على أحد الجسيمين. وفق تفسير كوبنهاجن، فإن عملية القياس لا تكشف فقط عن حالة الجسيم، بل هي في الواقع تحددها في تلك اللحظة. ويعني هذا أنها أيضًا تحدد حالة الجسيم الآخر المتشابك؛ بصرف النظر عن المسافة التي تفصله عن شريكه، غير أن أينشتاين اعتبر أن هذا التأثير الفوري الظاهري عبر المسافة أمر مستحيل؛ لأن من شأنه أن يتطلب تفاعلًا يفوق سرعة الضوء، يحدث عبر المكان، وهو ما تحظره نظريته النسبية الخاصة. لقد كان أينشتاين مقتنعًا بأن هذا يدحض تفسير كوبنهاجن، وأن الجسيمين A وB لهما بالفعل لفّ مغزليّ محدد، مِن قَبْل أن ينظر أي شخص إليهما.
ومع ذلك، تبين قياسات الجسيمات المتشابكة أن علاقة الارتباط المرصودة بين اللف المغزلي لكل منهما لا يمكن تفسيرها على أساس الخصائص الموجودة من قبل، غير أن علاقات الارتباط هذه لا تنتهك في الواقع مبدأ النسبية؛ لأنه لا يمكن استخدامها في التواصل بسرعة تفوق سرعة الضوء. ومن الصعب للغاية أن نفسر الكيفية المعينة التي تنشأ بها هذه العلاقة، بأي طريقة من طرق السبب والنتيجة تتفق مع الحدس.
إنّ ما يبدو أن تفسير كوبنهاجن يفعله – على الأقل – هو الحفاظ على منطق الترتيب الزمني.. فعملية القياس لا يمكنها أن تُحْدِثَ تأثيرًا، إلا بعد إجرائها. فلِكَي يكون للحدث A أي تأثير على الحدث B، يجب أن يقع الحدث A أولًا. وتكمن المشكلة هنا في أن هذا المنطق قد تداعَى على مدار العقد الماضي؛ إذ أدرك الباحثون أنه من الممكن تصوُّر سيناريوهات كمية، لا يمكن فيها للمرء ببساطة أن يجزم أي الحدثين المرتبطين يقع أولًا.
يبدو هذا الموقف مستحيلًا من المنظور الكلاسيكي. فقد لا نعلم بالفعل أيّ حدث مِن كلٍّ من A، وB قد وقع أولًا؛ لكن من المؤكد أن أحدهما قد وقع قبل الآخر. ومع ذلك، فإن هذه اللاحتمية الكمية ليست نابعة من الافتقار إلى المعرفة؛ بل هي تمنع – بشكل جوهري – التصريح بوجود أي “حالة صحيحة” قبل إجراء عملية القياس.

تأثيرٌ مبهم

كانت مجموعة بروكنر في فيينا، وفريق تشيريبيلا، وغيرهما في طليعة الجهود المبذولة لاستكشاف هذه السببية المبهمة في ميكانيكا الكَمّ4،3. وقد ابتكروا طرقًا لإنتاج حدثين (A وB) مرتبطَين، بحيث لا يستطيع أحد أن يجزم بما إذا كان الحدث A قد سبق الحدث B، وأدَّى إلى حدوثه (أي “سَبَّبَ حدوثه” بمعنى ما)، أم العكس. ويتيح هذا الترتيب مشاركة المعلومات بين A، وB بطرق يجري استبعادها عندما يكون هناك ترتيب سببي محدد. وبعبارة أخرى، يسمح الترتيب السببي غير المحدد للباحثين بعمل أشياء بالمنظومات الكَمِّية، يستحيل عملها عندما يكون الوضع خلاف ذلك.
تتضمن الحيلة التي يستخدمونها إنشاء نوع معين من “التراكب” الكَمِّي. وتراكبات الحالات الكمية معروفة جيدًا؛ فاللف المغزلي، مثلًا، يمكن أن يوضع في تراكب من حالتي اللف العلوي والسفلي. ويُعَدّ اللفان المغزليان في تجربة أينشتاين وبودولسكي وروزِن في حالة تراكب، تتضمن في هذه الحالة جسيمين. وكثيرًا ما يقال إن أي جسيم كَمِّي في وضعية التراكب يوجد في حالتين في الوقت ذاته، لكن من الأصح القول إننا لا نستطيع ببساطة أن نحدد مسبقًا ما ستكون عليه نتيجة القياس. ومن الممكن استخدام الحالتين القابلتين للرصد، باعتبارهما حالتين ثنائيتين (1 و0) من البِتات الكمية، المعروفة كذلك باسم “الكيوبِتات”، وهي العنصر الأساسي للحواسيب الكمية.
وقد توسع الباحثون في هذا المفهوم عن طريق إنشاء حالة تراكب سببي. وفي هذه الحالة، تمثل الحالتان تتابعًا لحدثين: إذ يمر أحد الجسيمات أولًا من البوابة A، ثم من البوابة B (بحيث تحدد حالة مخرجات البوابة A مُدخلات البوابة B)، أو العكس.
في عام 2009، توصَّل تشيريبيلا وزملاؤه إلى طريقة نظرية لإجراء تجربة مشابهة لذلك، باستخدام كيوبِت وحيد، كمفتاح تحويل يتحكم في الترتيب السببي للأحداث التي يمر بها جسيم يعمل عمل كيوبِت ثانٍ3 فعندما يكون كيوبِت مفتاح التحكم في الحالة 0، يمر الجسيم من البوابة A أولًا، ثم من البوابة B. وعندما يكون كيوبِت التحكم في الحالة 1، يكون ترتيب البوابات التي يعبر منها الجسيم الثاني هو B، ثم A، لكن لو كان الكيوبِت في حالة تراكب من الحالتين (0 و1)، فإن الكيوبِت الثاني يمر بتراكب سببي من كلا التتابعين؛ بمعنى أنه لا يوجد ترتيب محدد لعبور الجسيم من البوابتين (انظر: “رحلات محيِّرة”).

Print
بعد ذلك بثلاث سنوات، اقترح تشيريبيلا إجراءً تجريبيًّا محددًا؛ من أجل تنفيذ هذه الفكرة5 وبعدها توصَّل فالتر وبروكنر وزملاؤهما إلى كيفية تنفيذ هذه الفكرة داخل المختبر1. يستخدم فريق فيينا سلسلة من “قِطَع التأخير الموجية” (بلورات تغيّر استقطاب الفوتونات) ومرايا جزئية تعكس الضوء، وتسمح كذلك لبعض الضوء الآخر بالمرور منها. تعمل هذه المعدات عمل البوابتين المنطقيتين (A وB)، من أجل تغيير استقطاب أحد الفوتونات الاختبارية. يحدد كيوبِت التحكم ما إذا كان الفوتون سيعبر من البوابة A، ثم B، أم من البوابة B، ثم A؛ أم سيكون في حالة تراكب سببي من الاثنتين، غير أن أي محاولة لمعرفة ما إذا كان الفوتون سيعبر من البوابة A، أم من البوابة B أولًا، من شأنها أن تدمر تراكب ترتيب البوابتين.
بعدما أثبت فريق فيينا هذه اللاحتمية السببية تجريبيًّا، أراد المضي إلى ما هو أبعد من ذلك.. فإنشاء تراكب كَمِّي من الحالات السببية، التي لا يتحدد فيها ببساطة أي الأشياء يسبِّب أيها (أي ما إذا كان ترتيب عبور البوابتين هو A، ثم B، أم B، ثم A)، لكن الباحثين تساءلوا عما إذا كان من الممكن الإبقاء على هذا الغموض السببي، أم لا، حتى لو تجسسوا على الفوتون في أثناء مروره من البوابات المختلفة.
ظاهريًّا، قد يبدو أن هذا ينتهك الفكرة القائلة إنّ الحفاظ على حالة التراكب يعتمد على عدم محاولة قياسها، غير أن الباحثين باتوا يدركون الآن أنه في ميكانيكا الكَمّ ليس ما تفعله تحديدًا هو ما يهمّ، بل ما تعرفه.
في العام الماضي، ابتكر فالتر وزملاؤه طريقة لقياس الفوتون في أثناء عبوره من البوابتين، من دون أن يغيِّروا على الفور ما يعرفونه بشأنه6. لقد شفَّروا نتيجة القياس داخل الفوتون نفسه، لكنهم لم يقرأوها على الفور. وبما أن الفوتون يجتاز الدائرة كلها قبل أن يجري رصده والكشف عن نتيجة القياس، فإن تلك المعلومة لا يمكن استخدامها في إعادة بناء ترتيب عبور البوابتين. إنّ الأمر يشبه أن تطلب من شخص ما أن يحتفظ بسجل يدوِّن فيه شعوره في أثناء رحلة قطعها، على أن ينقل المعلومات لك في وقت لاحق؛ وهكذا لا يمكنك أن تستنتج بدقة أين كان هذا الشخص حين كتب ما كتب، ومتى.
أوضح باحثو فيينا أن هذا الجهل يحافظ على حالة التراكب السببي، ويقول فالتر: “نحن لا نستخلص أي معلومات عن نتيجة القياس حتى نهاية العملية كلها بالكامل، حين تظهر المعلومات النهائية. ومن ثمَّ، فإن نتيجة عملية القياس، والزمن الذي حدثت فيه، تظل خافية، لكنها تؤثر مع ذلك على النتيجة النهائية.”
عكفت فِرَق أخرى بالمثل على إنشاء حالات تجريبية للغموض السببي، باستخدام البصريات الكمية. فعلى سبيل المثال، قامت مجموعة من الباحثين في “جامعة ووترلو” في كندا، و”معهد بريمتر للفيزياء النظرية” القريب منها، بإنشاء دوائر كمية تغيِّر حالات الفوتونات؛ من أجل إنتاج مزيج سببي مختلف. وفي هذه التجارب، يمر أحد الفوتونات عبر البوابتين A، وB، وفق هذا الترتيب، غير أن حالته تتحدد بواسطة مزيج من إجراءين سببيين مختلفين: فإما أن يتحدد تأثير البوابة B بواسطة تأثير البوابة A، أو يتحدد تأثيرا البوابتين A وB على نحو منفرد بواسطة حدث آخر يؤثِّر على كليهما، وبالطريقة عينها التي يتسبب فيها أحد الأيام الحارة في زيادة معدل حروق الشمس ومبيعات المثلجات، من دون أن يكون هناك رابط سببي مباشر بين الظاهرتين. وكما هو الحال في تجارب فيينا، فقد وجدت مجموعة ووترلو أنه ليس من الممكن تحديد “قصة” سببية واحدة للحالة التي يكتسبها الفوتون7.
بعضٌ من هذه التجارب يتيح فرصًا جديدة لنقل المعلومات. فوجود تراكب سببي في ترتيب الإشارات المارة عبر بوابتين يعني أن كلًّا منهما يمكن اعتبار أنها ترسل المعلومات إلى الأخرى في الوقت ذاته. ويقول فالتر: “يمكن جزافًا القول إنك تحصل على عمليتين بسعر عملية واحدة.” وهذا يتيح طريقة مختصرة فعالة للغاية لمعالجة المعلومات.

“يسمح الترتيب السببي غير المحدد للباحثين بعمل أشياء بالمنظومات الكَمِّية، يستحيل عملها عندما يكون الوضع خلاف ذلك”

ورغم أنه من المعروف منذ وقت طويل أن استخدام التراكب والتشابك الكميين يمكن أن يزيد سرعة الحوسبة زيادة هائلة، فإن مثل هذه الحيل جرى تجريبها في الماضي باستخدام بِنى سببية كلاسيكية فحسب، بيد أن الطبيعة التزامنية للمسارين في حالة التراكب السببي الكَمِّي تعطي دفعة إضافية للسرعة. وقد ظهرت هذه الإمكانية جلية حين اقتُرِحَت حالات التراكب هذه للمرة الأولى، إذ رأى لوسيان هاردي – الباحث النظري في ميكانيكا الكَمّ بمعهد بريمتر8 تشيريبيلا – وزملاؤه3، على نحو مستقل، أن الحواسيب الكمية التي تعمل باستخدام بِنى سببية غير محددة ربما تكون أقوى من تلك التي تكون السببية فيها محددة.
وفي العام الماضي، أوضح بروكنر وزملاؤه9 أن بناء مثل هذه الطريق المختصرة داخل بروتوكول معالجة المعلومات ذي البوابات المتعددة، من المفترض أن يزيد زيادة هائلة من كفاءة الاتصال بين البوابات، وهو ما يمكن أن يكون مفيدًا لعملية الحوسبة. وعن هذا يقول بروكنر: “لم نصل بعد إلى أقصى مدى ممكن لعمليات التسريع؛ فميكانيكا الكَمّ تسمح بما هو أكثر بكثير”.
وليس من الصعب للغاية بناء معماريات الدوائر الكمية الضرورية؛ فكل ما تحتاجه هو مفاتيح تحويل كَمِّية تشبه تلك التي استخدمها فالتر. يقول بروكنر: “أعتقد أنه ستنشأ تطبيقات لهذا الأمر في المستقبل القريب”.
التناغم في الكون
رغم كل هذا، يظل الهدف الأكبر هدفًا نظريًّا. فمن الممكن أن تمنحنا السببية الكَمِّية مُدخلًا للإجابة عن بعضٍ من أصعب الأسئلة في الفيزياء؛ مثل: من أين تأتي ميكانيكا الكَمّ؟
لطالما بدت ميكانيكا الكَمّ وكأنها ارتجالية بعض الشيء. فمعادلة شرودنجر تنجح على نحو مبهر في التنبؤ بنتائج التجارب الكمية، غير أن الباحثين لا يزالون مختلفين حول ما تعنيه؛ لأن العمليات الفيزيائية التي تقوم عليها المعادلة، لا تتسم بالوضوح. وعلى مدار العقدين الماضيين، سعى بعض الفيزيائيين والرياضيين – ومنهم هاردي10، وبروكنر11- إلى توضيح الأمور، عن طريق إنشاء “عمليات إعادة بناء كمية”، وهي محاولات تهدف إلى اشتقاق بعض الخصائص المميزة لمنظومات ميكانيكا الكَمّ – مثل التشابك والتراكب – من بديهيات بسيطة، منها على سبيل المثال، ما يتعلق بما يمكن عمله، وما لا يمكن عمله، باستخدام المعلومات المُشَفَّرة داخل الحالات (انظر: Nature 501, 154–156; 2013)
“إن إطار عمل النماذج السببية يقدِّم منظورًا جديدًا لهذه الأسئلة.” هكذا تقول كاتيا ريد، الفيزيائية بجامعة إنسبروك في النمسا، التي عملت في السابق مع فريق جامعة ووترلو على تطوير منظومات تتسم بالغموض السببي. وتضيف: “إذا كانت نظرية الكَمّ تتعلق بالكيفية التي تعالج بها الطبيعة المعلومات وتوزعها، فإن التساؤل عن الطرق التي يمكن بها للأحداث أن تؤثر في بعضها البعض، يمكن أن يكشف عن قواعد هذه المعالجة”.
وربما تمضي السببية الكمية إلى ما هو أبعد من هذا، عن طريق بيان الكيفية التي يمكننا بها دمج نظرية الكَمّ على نحو ملائم داخل إطار عمل النسبية العامة، التي تفسر الجاذبية. وتقول ريد: “إن الحقيقة المتمثلة في أن البِنَى السببية تقوم بمثل هذا الدور المحوري في النسبية العامة، تشجعنا على استقصاء الطرق التي يمكن بها للجاذبية أن “تسلك سلوكًا كميًّا”.”
ويقول بروكنر: “إن غالبية المحاولات الجارية لفَهْم ميكانيكا الكَمّ تتضمن محاولة الإبقاء على بعض أوجه الصورة الكلاسيكية القديمة، مثل مسارات الجسيمات”، مشيرًا إلى أن التاريخ يبين أننا نحتاج في مثل هذه الحالات إلى شيء أكبر بكثير؛ شيء يتجاوز نطاق الأفكار القديمة، على غرار طريقة جديدة للتفكير بشأن السببية ذاتها. ويضيف قائلًا: “حين تكون لديك نظرية ثورية، فعادة ما تحتاج إلى شيء أكثر ثورية بكثير؛ لكي تفهمها”.

References
1. Procopio, L. M. et al. Nature Commun. 6, 7913 (2015). | article
2. Brukner, Č. Nature Phys. 10, 259–263 (2014). | article
3. Chiribella, G., D’Ariano, G. M., Perinotti, P. & Valiron, B. Phys. Rev. A 88, 022318 (2013). | article
4. Oreshkov, O., Costa, F. & Brukner, Č. Nature Commun. 3, 1092 (2012). | article
5. Chiribella, G. Phys. Rev. A 86, 040301(R) (2012). | article
6. Rubino, G. et al. Sci. Adv. 3, e1602589 (2017). | article
7. MacLean, J.-P. W., Ried, K., Spekkens, R. W. & Resch, K. J. Nature Commun. 8, 15149 (2017). | article
8. (Hardy, L. Preprint at http://arxiv.org/abs/quant-ph/0701019 (2007
9. Allard Guérin, P., Feix, A., Araújo, M. & Brukner, Č. Phys. Rev. Lett. 117, 100502 (2016). | article
10. (Hardy, L. Preprint at http://arxiv.org/abs/quant-ph/0101012 (2001
11. Dakić, B. & ABrukner, Č. in Deep Beauty: Understanding the Quantum World through Mathematical Innovation (ed. Halvorson, H.) 365–392 (Cambridge Univ. Press, 2011). | article

 

المصدر :- نتشر

شاهد أيضاً

53212137476_7c1afba59b_c

منتدى هايدلبرج الدولي للرياضيات وعلوم الكمبيوتر يحتفل بالذكرى العاشرة لتأسيسه

عبدالرحمن أبوطالب – هايدلبرج انطلقت اليوم الأحد في مدينة هايدلبرج الألمانية فعاليات منتدى هايدلبيرج الدولي …