الرئيسية / خاص / المؤمن و الباحث
images

المؤمن و الباحث

لا يستطيع المؤمن أن يكون باحثاً. هذا ما قاله علي الوردي في كتابه (وعاظ السلاطين).
“إن الشك هو طريق البحث العلمي. ولم يستطع العلماء المحدثون أن يبزوا أسلافهم في البحث إلا بعد أن اتبعوا طريق الشك . . إن الإيمان والبحث على طرفي نقيض ولا يستطيع المؤمن أن يكون باحثاً . ومن يريد أن يخلط بينهما فهو لا شك سيضع المشيتين”231
“إن العرب والمسلمين ما زالوا يزنون الحضارة بميزان ديني ثنائي قديم هو ميزان الحق والباطل بينما الحق والباطل في نظر المنطق الحديث أمران اعتباريان والنزاع فيهما هو في أساسه نزاع على المقاييس أكثر منه نزاعاً على الحقائق” 230
لا يمكن للمؤمن أن يكون باحثاً, ليس في البحث العلمي فقط بل وفي النصوص الدينية أيضاً. كل ما يستطيع عمله هو أداء الطقوس التي تقربه إلى الله.
هذا الأمر ينطبق على أصحاب مشروع “اليمن العظيم”, وهو مشروع هدفه جميل إذ يريد أن يتحصن بهوية تاريخية لمواجهة الهوية السلالية والدينية لأصحاب البيت الذين هدموا بيوتاً وسطوا على أخرى. لكن للأسف يتم محاربة الأساطير بأساطير إلى درجة الاستعانة بمصادر الخصم. من ذلك مثلا الإشارة إلى أن القرآن أتى على ذكر قوم تُبَّع فاقتبسوا:
{أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ… }
وسكتوا ربما دون علم منهم أن السياق هنا هو سياق ذم وقدح لا سياق مديح وفخر. ولو أنهم أكملوا الآية لاتضح لهم ذلك:
{وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} الدخان37
بعد انتهاء عروض الفيديو التي تتحدث عن ملوك اليمن قام البعض, وبحسن نية, بتوجيه ملاحظات أكثرها دقيقة حول خلط الخرافة بالتاريخ. وهناك من رفض هذا الخلط, مثلما فعل أستاذ الفلسفة د عبدالكريم قاسم, الذي مارتنزيلس الخلط نفسه فاستعان بالأسطورة الدينية لمحاربة أساطير التاريخ أو روايات الإخباريين, عندما تحدث عن الملكة بلقيس, في سياق حديثه عن الأشياء التي علّمها اليمنيون للعالم ومنها الديمقراطية, فاقتبس من القرآن من سورة سبأ, مع أنه يعلم, وهو المهتم بالتاريخ وله كتاب فيه, أن بلقيس لا محل لها من المصداقية في علم التاريخ, والأهم أن القرآن ليس كتاب تاريخ حتى يعتمد الدكتور كمصدر تاريخي! فلماذا هاجم أستاذ الفلسفة مشروع “اليمن العظيم” على اعتبار أن ما ورد فيه كثير من الخرافات, وعلى اعتبار أن الهوية هي الإنسان, وهو محق في نزعته الإنسانية, لكنه دافع عن أسطورة أخرى لمجرد أنها وردت في القرآن؟!
هل فعل ذلك لأنه مؤمن؟ أم بتأثير ما لا نعلمه؟!
لنتفق أن في التاريخ اليمني ما يمكن الرد به على الهويات الدينية الهدامة التي تحكمنا اليوم, لكن علينا أن نمحص في التاريخ لنختار ما نرد به على هؤلاء بشكل علمي وأن لا ننجر لمحاربة الخرافة بخرافة, أو الأساطير الدينية بأساطير تاريخية, وأن لا تجرنا السلالة للتشبث بالإنسان في مواجهة الخصوم فقط, كما يفعل من يهاجمون مشروع “اليمن العظيم”, وأن لا نبحث عن الهوية في الماضي كما يبحث السلاليون عنها هناك, بل علينا أن نبحث عنها في المستقبل وفي الإنسان, وأن نعتز بالتاريخ لا بالأساطير, وأن لا نبحث عن هويتنا في الحجارة, كما بحث عنها الجامعي الذي درس الأركيولوجيا دون أن يجد الهوية في الحجارة, كما جاء في قصيدة محمود درويش.
الهوية لا توجد في الحجارة, الهوية ابداع صاحبها, كما جاء في قصيدة درويش عن ادوارد سعيد:
والهويَّةُ؟ قلتُ
فقال: دفاعٌ عن الذات…
إنَّ الهويةَ بنتُ الولادة, لكنها
في النهاية إبداعُ صاحبها, لا
وراثة ماضٍ. أَنا المتعدِّد. في
داخلي خارجي المتجدِّدُ… لكنني
أَنتمي لسؤال الضحيَّة. لو لم
أكن من هناك لدرَّبْتُ قلبي
على أن يُربِّي هناك غزال الِكنايَةِ.
فاحملْ بلادك أَنَّى ذَهَبْتَ…
وكُنْ نرجسيّاً إذا لزم الأَمرُ /
ففي السفر الحر بين الثقافات
قد يجد الباحثون عن الجوهر البشري
مقاعدَ كافيةً للجميع.
هنا هامش يتقدَّم. أو مركز يتراجع
لا الشرقُ شرقٌ تماماً
ولا الغربُ غربٌ تماماً
لأن الهويَّةَ مفتوحةٌ للتعدُّد
لا قلعةً أو خنادقَ/
#فكفكاتي

رياض حمادي

شاهد أيضاً

WhatsApp Image 2023-12-03 at 16.35.22

COP28 في دبي، تحرك عالمي مشجع لمواجهة تحديات التغير المناخي

  اشراق الصبري يعد مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28 حدثًا …