الرئيسية / الصحة و السكان / العرف والحياء يقتل النساء في العراق
26942707_1574532115915447_1197713277_n

العرف والحياء يقتل النساء في العراق

العرف والحياء يقتل النساء

قلة الجراحات في العراق يفقد المريضات فرص العلاج والتعافي

بغداد/ عادل فاخر/

بعد أن رفض زوجها وشقيقيها الأكبر إجراء عملية جراحية لها من قبل أطباء رجال بسبب الحياء والعرف السائد في غالبية المجتمع العراقي، توفيت السيدة (شيماء) البالغة من العمر (32) عاما، حيث تردى وضعها الصحي وعانت من مضاعفات، ولم ينفعها طب الأعشاب الذي فرضه عليها ذويها، وكان عليها إجراء عملية القلب المفتوح في مشفى حكومي متخصص في بغداد، لكن الرفض أفضى إلى حتفها.

 

تركت (شيماء) التي تقيم في إحدى الأحياء الواقعة شرق العاصمة بغداد، ثلاثة أطفال بأعمار دون سن العاشرة، وراح زوجها بعد (40) يوما من وفاتها يبحث عن زوجة أخرى، لتعين وتربي أطفاله (حسب قوله).

 

ولم تكن (نهلة) وهي سيدة ثلاثينية أيضا، أوفر حظا من (شيماء) حيث أصيبت بالنخاع الشوكي لانها لن تتمكن من إجراء عملية جراحية، حتى أصيبت بالشلل الجزئي، فيما تحصل على أدوية الأمراض المزمنة من العيادة الشعبية شهريا، وتراجع المشفى للعلاج الطبيعي.

 

وبحسب وزارة الصحة العراقية فإن نسب الطبيبات المتخصصات في مجال الجراحة الكبرى قد لا يتجاوز (1%) وربما أقل بكثير، وهذا مصدر قلق كبير للطبيبة عند إختيار التخصص، تزامنا مع الظروف غير الملائمة في تحسين الوضع الطبي بعمومه.

 

ولاتفرض وزارة الصحة على الطبيبة أن تختار إختصاص معين، بإعتبار قضية الإختصاص إختيار شخصي، لكن الوزارة تساعد في قبول النساء في الفروع التي ليس بها إختصاص نساء لأن تقاليد ووضع المجتمع العراقي بحاجة الى إختصاصات نسائية معينة، خاصة وإن العراق بحاجة ماسة إلى طبيبات من إختصاص التخدير والأورام وجراحة الجملة العصبية.

الجراحات ضرورة ملحة في مجتمع شرقي

 

يرى أستاذ الطب الباطني في الجامعة المستنصرية ببغداد الدكتور رافد علاء الخزاعي أن”هناك ضرورة ملحة لوجود أخصائيات جراحة عامة في العراق وفي المنطقة عموما، نتيجة لطبيعة المجتمع الشرقي الذي يحكمه العرف، يقمن بإجراء بعض العمليات الجراحية للنساء”.

 

وأضاف الخزاعي لـ( الشبكة اليمنية للعلوم ) إن “في العراق جراحات ماهرات في الجراحة العامة، عدا جراحة القلب والعمود الفقري والمخ والأعصاب، هناك إختصاصات في جراحة الثدي والجراحة الناظورية، فضلا عن وجود الكثير من جراحات التوليد ولهن باع لابأس به في مجال الجراحة العامة، لأنه جزء أساسي من البرنامج التدريبي لنيل شهادة الإختصاص،  وغالبية النساء في العراق والمنطقة العربية يفضلن أو يجبرن على إجراء عمليات جراحية على يد طبيبات من النساء بسبب التقاليد والأعراف التي تتعلق بالكشف والملامسة وماشابه”.26942707_1574532115915447_1197713277_n

 

شحة محلية وإقليمية بطبيبات الجراحة

 

ويرى الطبيب الاختصاص في وزارة الصحة الدكتور زياد طارق إن“في العراق طبيبات إختصاص جراحة لكن بنسبة قليلة جدا، والسبب الأول يعود إلى عزوف النساء عن هذا الإختصاص، والسبب الثاني هو عدم ثقة الناس بالطبيبة الجراحة، كون الموضوع يحتاج إلى تحديات كثيرة ومهارات بدنية عالية، يعتقد عامو الناس انها قد لاتتوفر لدى الطبيبة، على سبيل المثال تحمل منظر الجراحة وسيل الدماء أو إستخدام المشرط والوقوف لعدة ساعات طويلة قد تصل إلى (18) ساعة لاجراء العملية”.

 

وأضاف طارق وهو المتحدث الرسمي السابق بإسم وزارة الصحة العراقية لـ( الشبكة اليمنية للعلوم ) أن”طبيبات الجراحة إن”قلة الطبيبات إختصاص الجراحة ليس في العراق فقط بل في المنطقة عربيا وإقليميا أيضا، ولنفس الاسباب في العراق، مثل الحرام والعرف والحياء، فضلا عن رغبة الجمهور المحافظ أو ذات الطابع العشائري”.

 

وأشار طارق إلى أن إختصاص النسائية فيه ممارسة للجراحة، ولكن على العموم الجراحات  في مجال اختصاص النسائية أغلبه يكون في مجال عمليات الولادة القيصرية وبعض العمليات التنظيرية والاستكشافية (أي الفحص بالناظور أو وضع وسائل الحمل)، وبالمجمل العدد جدا قليل اذا ماقورن بأعداد الذكور، لافتا إلى أن”هناك بعض الجراحات التي تتجه لها النساء وليس جميع إختصاصات الجراحة، مثل إختصاصات جراحة القلب أو الدماغ، تكاد تكون معدومة، وكذلك والجراحات الخالية التي يتجهون لها هي إختصاص الجراحة العامة والعيون وإختصاصات الجراحة التجميلية”.

مع وجود طبيبة يمكن إجراء تداخل جراحي للمرأة

الشيخ منتصر الطائي، وهو رجل دين في الحوزة العلمية بالنجف يقول أن”في الشريعة هناك عناوين أولية وعناوين ثانوية متعلقة بالكثير من الأحكام الشرعية، فقد يكون ثمة شيء بعنوانه الأولي حلال لكنه يكون حراما بعنوانه الثانوي، مثلاً إستيراد الأجهزة الكهربائية من بلد غربي هو مباح بالعنوان الأولي، ولكن اذا ترتب على هذا الإستيراد والاستعمال أضعاف لاقتصاد البلد سوف يضر بالشعب أو الحاق الضرر بالإسلام والمسلمين، وقتها يكون الحكم هو الحرمة بالعنوان الثانوي، ولذلك تصدر في بعض الأحيان فتاوى مقاطعة البضائع العائدة لهذه الدولة أو تلك الجهة، وفي المقابل فالمعروف ان الخمر حرام، ولكن اذا توقفت عليه حياة الإنسان لعلاج أو ماشابه، في حالة الضرورة القصوى مع إستنفاذ كل البدائل جاز في وقتها الشرب بل قد يجب حفاظا على حياة الانسان”.

وأضاف الطائي لـ (للشبكة ) “من هذا المبدأ ووفق العناوين الأولية، فالشارع الإسلامي يحكم بعدم جواز مراجعة المرأة للطبيب بهدف الكشف عليها، اذا تطلب ذلك الكشف عن بعض من جسدها مما لا يجوز كشفه أمام الرجال الأجانب عنها من غير محارمها”.

الطائي يوضح انه”وفق العناوين الثانوية، يجوز ذلك بل قد يجب، اذا مثلا لم تتوفر الطبيبة المختصة، أو كانت موجودة ولكنها في مكان بعيد والحالة مستعجلة لا تتحمل، أو أن الطبيبة موجودة ولكنها لا تتمتع بالمهارة الكافة لمعالجة هذا المرض دون مضاعفات أو آثار جانبية لاسيما اذا تسبب علاجها للمريضة بما يعرض حياتها للضرر المادي أو المعنوي، فهنا ووفق هذه الحيثيات فأنه يجوز للطبيب الكشف على المريضة ومعالجتها شريطة ان يكتفي بكشف الجزء الذي يتطلبه الكشف والمعالجة دون أكثر من ذلك، مع التشديد على إرتداء القفازات (الكفوف) لضمان عدم تحقق اللمس المباشر”.

اما عضو مجلس علماء العراق الشيخ حسين البرزنجي فيؤكد أن”المرأة المريضة تذهب إلى طبيبة من جنسها اذا كانت هذه الطبيبة بارعة في تخصصها وتشخص المريض بإمتياز، أما اذا لم تجد طبيبة بارعة وغير مختصة فلابأس أن تذهب إلى طبيب من الرجال مختص وبارع في التشخيص بشرط أن يكشف من جسدها ماهو المطلوب فقط “.

العرف يحتم طبيبة بمريضة

فؤاد الشمري، وهو شيخ قبلي يرى أهمية معالجة النساء من قبل النساء، لإن الأعراف تحتم أن تعالج المرأة من قبل طبيبة إمرأة.

وقال الشمري لـ( للشبكة) ان”المجتمعات القبلية بعمومها ترفض ملامسة الرجال للنساء حتى وان كان الأمر لأسباب طبية أو صحية، إلا في حالات نادرة جدا، تلك التي تستوجب العلاج من قبل طبيب رجل، للبقاء على حياة المرأة، خاصة من النساء المسنات”.

 

وأضاف ان”النساء يتعالجن في الغالب بطب الأعشاب، وهو طب بديل، ولايوجد مانع من ان تراجع النساء العيادات الطبية لأغراض الفحص الطبي، لكن في التداخل الجراحي، يفضل ان تكون القائمة على العملية الجراحية إمرأة”.

الطبيبات الأناث يفضلن طب النساء والأسنان والأشعة والتخدير

الإختصاصية جراحة عامة الدكتورة نورة هشام البياتي تؤكد قلة الطبيبات الجراحات في العراق، مقارنة بالعالم وتعزو سبب ذلك إلى أن أكثر الطبيبات يفضلن إختصاص النسائية والتوليد، فضلا عن أن الفرع الجراحي متعب وفيه الكثير من الخفارات والمسؤوليات، على خلاف طب الأطفال أو طب النساء والأشعة والسونار والتخدير”.

وقالت البياتي وهي طبيبة إختصاص في مستشفى (شار) في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق إن”المجتمع العراقي بطبيعته ينظر إلى الطبيب الجراح على أنه أكثر كفاءة من الطبيبة الجراحة، وهذا غير صحيح خاصة وأن دراسات عالمية أثبتت أن الجراحات أكثر حرصا ومتابعة بحالات المرضى من الجراحين، وبالتالي فإن السمعة الطيبة لأي طبيبة جراحة، تجعل المرضى يراجعونها بإستمرار”.

وبحسب البياتي فإن وزارة الصحة تفتح سنويا مقاعد للإقامة بالمستشفيات حسب الإحتياج، ويتم التنافس عليها خسب معدل الطبيب المتخرج وسنين الخدمة، بغض النظر اذا كان المتقدم من الذكور أو الأناث، ولذلك تكون المقاعد كافية للنساء لأن نسبة الرجال المتقدمين أكثر، مشيرا إلى انها شخصيا تم قبولها مع زميلة أخرى للبورد العراقي عام 2006، مع (36) طبيب ذكر”.

وعن معاناة الطبيبات الجراحات قالت البياتي لـ ( الشبكة اليمنية للعلوم) أن”ثمة إعتقاد سائد في المجتمع وهو ان العملية الجراحية ستكون فاشلة لأن من سينفذها طبيبة، وهذا الأمر يحتاج المزيد من الممارسة لتعزيز الثقة بين المريض والطبيبة”.

كما تؤكد البياتي وجود معاناة من نوع آخر تتمثل من تحسس بعض الأطباء من وجود طبيبة أقدم منه بالمهنة وبالوظيفة وبمراحل البورد، في المستشفيات خاصة الحكومية، إذ لايتقبل الطبيب تعليمات الطبيبة، وبعضهم يقول بالحرف (أنا لاأخذ أوامر من مرة)، وقسم من الأطباء ومن بعض التخصصات أيضا يحرض المرضى وذويهم على عدم مراجعة الطبيبات من الأناث، ولكن بالنهاية الطبيبة الناجحة تفرض نفسها.

المرأة تكون مهيأة مبدئيا لممارسة إختصاصات كانت قد حددت لها مسبقا، وكأن الإختيار غريزي وفطري يبدأ في مرحلة ما قبل الدراسة في كلية الطب، وتواجه العديد من التحديات الشخصية والمهنية إذا ما فكرت الدخول في تخصصات جراحية كبرى غير التوليد والطفولة وربما الجلدية.

العلاج خارج العراق

غالبية المرضى أو ذويهم من العراقيين يفضلون العلاج أو إجراء التداخل الجراحي خارج العراق، خاصة في لبنان أو الأردن أو الهند، على الرغم من التكاليف الباهضة التي تستلزم أجور السفر وتأشيرات الدخول والسكن والعلاج والأدوية وتكلفة المشفة أو العملية الجراحية.

وفي هذا الصدد ترى الدكتورة البياتي إن ذلك ناتج عن عدم الثقة بين المريض وطبيبه، على الرغم من وجود أطباء أكفاء ومشافي خاصة وأجهزة طبية حديثة ومتطورة، وربما هي أقل كلفة من العلاج في الخارج.

الأضرار الإقتصادية المترتبة

يرى الخبير الإقتصادي ملاذ الأمين أن”سبب لجوء المرضى للعلاج في الخارج وفي الهند تحديدا، يعود إلى  رخص التكلفة وإلى وفرة المستشفيات وكفاءة الأطباء، في حين أن المستشفيات الأهلية في العراق فشلت في إستقطاب المرضى بسبب إرتفاع أسعارها وعدم كفاءة العلاجات وإفتقارها للأجهزة التقنية الصحية الحديثة”.

وقال الأمين لـ ( شبكة اليمنية للعلوم ) إن “هذا الأمر ينعكس سلبا على سمعة المستشفيات العراقية والجراحين العراقيين إضافة إلى خروج ملايين الدولارات سنويا من العراق إلى الدول المعالجة كالهند ولبنان والأردن، وهذا مايضر في الإقتصاد وشحة العملة الصعبة.

خاص : بالشبكة اليمنية للعلوم 

شاهد أيضاً

53373094409_b37bb45917_c

مخرجات قمة المناخ ودور منظمات المجتمع المدني اليمنية والعربية في COP28

  أثمر مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ بدورته الثامنة والعشرين (COP28)، والذي …