م.عبد الله انقع
كان من المفترض أن أكون الآن ميتًا، إذ أن معدل العمر لمن ولد في اليمن من عام 1976 م هو 45 عامًا و أنا أبلغ من العمر حاليًا 41 عامًا، و لكنني أدخن منذ العام 1990 م بمعدل 40 سيجارة … سبعة و عشرون عامًا … تنقص كل سيجارة من عمرك الافتراضي 5 دقائق … ها نحن إذا مع خمس سنوات مفقودة تضاف إلى 41 عام …
لقد تجاوزت ما كان يجب أن أقضيه في هذا العالم بعام على الأقل..
ليس لأن التدخين لم يقتلني …
و لكن ربما لأني متشبث بالحياة بشكل كبير.
اليوم سأجعل الأمر رسميًا فلقد تجاوزت الأسوأ…
سوف أتوقف عن التدخين……………
قبل أربعة أيام دخنت آخر سيجارة لي و لقد مرت أصعب أيام الإقلاع عن التدخين بسلام … توقفت عن التدخين مئات المرات و لكنني لم أتجاوز أبدًا عتبة الثلاثة أيام ، كل مرة كنت أضعف في اليوم الثالث إذ أصبح أشبه بقنبلة موقوتة من العصبية و المشاعر المستثارة..
هذه المرة كان قراري مفاجئًا حتى لي … و بهدوء توصلت إلى الحقيقة ..
طوال سبعة و عشرين عامًا كنت مع كل سيجارة أدخنها أبحث عن مذاق أول سيجارة تناولتها في حياتي .
حسنًا
لقد كان باكيت سجائر كاملا دخنته خلال أقل من ثلاث ساعات..
و لقد كانت تلك اللذة المصحوبة بالغثيان هي كل ما أبحث عنه و أنا أدخن أربعمائة ألف سيجارة خلال سبعة و عشرين عامًا… و لم يكن لأيٍ منها لذة السيجارة الأولى.. و لذلك حين عرفت أن مذاق كل سيجارة جديدة أدخنها يصبح أسوأ من سابقتها و أن لا سبيل للذة تلك السيجارة الأولى … توقفت دون خطط كثيرة و دون ندم..
الأمر مؤلم بلا شك …
الصدر يضيق خلال أول ثلاثة أيام و أسنانك تتآكل و تحس بأنك فقدت إحساسك بأنفك و لسانك و حلقك …
العصبية في حدودها القصوى ..
و لكن مع ذلك فإن هنالك أمر أشعر به توقفت عن الشعور به منذ زمن طويل … صدري يضيق و لكنني أتنفس بسهولة .. النتائج فورية .. و بدأت أشم روائح أشياء كثيرة كنت فقدت المقدرة على شمها، التذوق هو الآخر تحسن بشكل ملموس … كل ذلك خلال ثلاثة ايامٍ فقط ..
لست أروج للأمر و لكن أشعر بأني فتي .
سبعة و عشرون عامًا من التدخين المتواصل و الثقيل ليست سهلة ليتخلص جسدي من تأثيراتها … و لكنني لأول مرة منذ سنوات أشعر بنفسي أكثر نشاطًا و أكثر قدرة …
كنت في تجارب سابقة للامتناع عن التدخين أحاول تجنب رؤية المدخنين أو حتى رؤية السجائر و متعلقاتها، و احاول ان اشغل يدي و فمي بما يقضي على متلازمة التعلق الفموي بالسيجارة، و في إحدى المرات استخدمت بدائل النيكوتين، و كنت أركز على تجنب الأشياء التي تستدعي التدخين كالأكل الحار و القهوة و ووو …. و لكنني فشلت في مواصلة الإقلاع عن السجائر … فشلت في كل مرة و أعتقد أنني سأنجح هذه المرة … لأنني أعرض نفسي عمدًا لأقسى اختبارات التحمل و لا احاول الهروب و يبدو أنني أنجح في تجاوزها …
لا أعرف إن كنت سأصمد إلى النهاية و أتوقف تمامًا عن التدخين … غير أن التغييرات الإيجابية التي تحدث لجسدي تدفعني للمواصلة .
أبحث الآن فقط عن انسب الحلول لتسريع ترميم رئتي أن كانت قابلة للترميم بعد استخدام غير عادل لمدة سبعة و عشرين عامًا …
يقولون أن العسل مفيد … و كذلك عصير الحشائش، و لكن اين سأجد عصير الحشائش هذا … من يعرف أين نجده في الرياض أرجو أن يدلني …
يقولون أيضًا أن الامتناع عن التدخين لمدة عشرين عامًا يجعل جسدك يعود إلى حالته دون اي فرق بينك و بين من لم يدخن في حياته أبدًا حسنًا سنجرب إثبات هذا الأمر إن كان في العمر بقية … و صدقوني سأحتفل حينئذٍ بمرور عشرين عامٍ على امتناعي عن التدخين بتدخين سيجارة كوبية فاخرة .